مؤسسة النبأ العظيم الثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مؤسسة النبأ العظيم الثقافية

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْـتُضْـعِـفُـوا فِـي الْأَرْضِ وَنَجـْعَـلَـهُـمْ أَئِـمَّـةً وَنَجْعَلَهُمُ الْـوَارِثِـينَ ونُـمَـكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ


    من أين جاء التهوك لابن تيمية ؟!

    admin
    admin
    Admin


    المساهمات : 202
    تاريخ التسجيل : 19/01/2011

    من أين جاء التهوك لابن تيمية ؟!  Empty من أين جاء التهوك لابن تيمية ؟!

    مُساهمة  admin الإثنين 7 فبراير 2011 - 12:07

    بسم الله الرحمن الرحيم
    احتراl الجاهلية للثقافة اليهودية
    كان اعتداد العرب بقوميتهم ووثنيتهم في الجاهلية اعتداداً قوياً الى حد التعصب ، ولم يكونوا يحترمون اليهود كأمة ولكنهم كانوا يحترمون علماءهم وثقافتهم ويرجعون إليهم في العديد من مسائل التاريخ والتنبؤ بالمستقبل والأمور الروحية .
    بل كان الكثير من عرب الجاهلية يعيشون حالة الإنهزام أمام الثقافة اليهودية .. لأن اليهود أصحاب كتاب سماوي وعلماء وأنبياء ، والعرب أميون وثنيون ، وإن بقيت عندهم بقايا من دين إبراهيم ، واشتركوا مع اليهود في الإنتساب الى جدهم الأعلى إبراهيم صلى الله عليه وآله .
    والشواهد على ذلك من مصادر التاريخ والتفسير والحديث والفقه كثيرة ، نكتفي منها بالنص التالي الذي يدل على أن تأثيرات الثقافة اليهودية بقيت حتى بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله ، وحتى على ذهن زوجته عائشة وأبيها الخليفة أبي بكر ! روى مالك في الموطأ ج 2 ص 943 ( عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ، ويهودية ترقيها ! فقال أبو بكر : إرقيها بكتاب الله ) .
    وقال في كتاب الأم للشافعي ج 7 ص 241 ( باب ما جاء في الرقية . سألت الشافعي عن الرقية فقال : لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله. قلت أيرقي أهل الكتاب المسلمين ؟! فقال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله ، فقلت وما الحجة في ذلك ؟ قال غير حجة ، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكاً أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبدالرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر إرقيها بكتاب الله . فقلت للشافعي فإنا نكره رقية أهل الكتاب ، فقال : ولِمَ وأنتم تروون هذا عن أبي بكر ، ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه . وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم ، وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا أو أخف ) انتهى .
    ورواه البيهقي في سننه ج 9 ص 347 ، كما روى أن امرأة عبدالله بن مسعود كانت تذهب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله الى يهودي لرقية عينها .
    وقال النووي في المجموع ج 9 ص 64 ( فرع في جواز الرقية بكتاب الله تعالى وبما يعرف من ذكر الله ... وروى البيهقي بإسناده الصحيح عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : دخل أبو بكر رضي الله عنه عليها وعندها يهودية ترقيها فقال : إرقيها بكتاب الله عز وجل . وبإسناده الصحيح عن الربيع بن سليمان قال ( سألت الشافعي عن الرقية ... ) الى آخر ما تقدم ، انتهى .
    يلاحظ على هذه الفتوى المجمع عليها عند إخواننا السنيين ، أن الخليفة أبا بكر لم ينه عائشة عن هذا العمل ، وإنما طلب من المرأة اليهودية باحترام أن ترقيها ببعض آيات القرآن ، باعتبار أن ذلك أفضل من الأدعية التي تقرؤها من عندها ، أو أراد منها أن تضم الى أدعيتها آيات من القرآن ليكون ذلك أرجى لشفاء بنته .. !
    هذا إذا كان مقصوده بكتاب الله : القرآن ، وإلا فيكون قصده : إرقيها بنص من التوراة ، لا بدعاء من عندك ! فتعبير كتاب الله كان يتبادر منه عندما يخاطب به يهودي : التوراة !
    وبذلك يتضح أن الشرط الذي شرطه الشافعي وغيره لما يجب أن يقرأه اليهودي أو النصراني في رقية المسلم لا أساس له في الرواية . وغاية ما يمكن استفادته منها أن الأحسن للمسلم أن يطلب من الكتابي أن يقرأ على مريضه شيئاً من ( القرآن ) .. خاصة وأن الذي يكلف أحداً أن يرقي مريضه لا يملي عليه ماذا يقرأ عليه ، لأنه لا يكلفه بالرقية إلا وهو معتقد بأنه عبد صالح قريب الى الله تعالى ، فهو أعرف بما يقرأ عليه !
    كما يلاحظ استغراب السائل لهذه الرواية والفتوى ! فأجابه الشافعي بأن الرواية صحيحة ولم يصل إلينا استنكار أحد من الصحابة لعمل عائشة وإقرار أبي بكر . والقاعدة عند الشافعي أنه إذا فعل الصحابي شيئاً فهو جائز وحجة على غيره ، إلا إذا عارضه صحابي آخر ، ويشترط أن يكون الصحابي المعارض من الصحابة الذين تؤثر معارضتهم عند الإخوة السنيين .. فبعض الصحابة عندهم لا تضر معارضتهم ، وبعضهم تضر ! ولكنها ليست قاعدة دائمة عند إخواننا السنة ، فعمر مستثنى منها ، كما أن عدداً من الموضوعات مستثناة منها !
    ثم أراد الشافعي أن يقنع المعترض أكثر فقاس الرقية على حلية طعام أهل الكتاب وحلية الزواج منهم ، ولكنه قياس مع الفارق ، لأن أكل طعامهم والتزوج منهم ليس اعترافاً بعقائدهم وثقافتهم .. بينما الرقية في أقل مدلولاتها احترام لثقافة الراقي الروحية، واعتراف بصلاحه عند الله تعالى !
    وكان الأجدر بمثل الشافعي أن يقول : إن هذا النوع من العمل الذي كانت تقوم به عائشة وأمثالها من نساء قريش أو الأنصار ، لم يصدر إمضاؤه من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وبما أن آيات القرآن حاسمة في أمر اليهود والنصارى ، وأحاديثه هو صلى الله عليه وآله .. فإن من البعيد أن يمضيه . واحتمال إمضاء النبي لا يكفي في إثبات المشروعية ، فاحتط لدينك واتركه.
    على أي حال ، كان الجو العام عند نساء قريش في الجاهلية وعند نساء الأنصار أيضاً أنهن يحترمن الثقافة اليهودية ، وكذلك رجالهن ، بل يوجد نص عن ابن عباس أنه كان يوجد في الأنصار جو تقليد ثقافي لليهود . ويبدو أن رواسب من ذلك بقيت في أذهان البعض حتى بعد الإسلام !
    الخليفة عمر واليهود
    إن معرفة هذا الجو في الجزيرة من التأثر العام بثقافة اليهود ، تمكننا من تفسير مواقف الخليفة عمر تجاه الثقافة اليهودية .. فقد كان من صغره قبل الإسلام يحترم هذه الثقافة كثيراً ، وتدل عدة نصوص على أنه استمر على احترامها حتى وهو الى جانب النبي صلى الله عليه وآله ، ثم عندما صار خليفة .
    وبهذا نفهم سبب احترامه لكعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام .. وأمثالهم من اليهود الذين أعلنوا دخولهم في الإسلام .. وتميم الداري وأمثاله من النصارى الذين دخلوا في الإسلام .. وكذا ثقته بما عند علماء اليهود والنصارى من كتب وتاريخ وتنبؤات واستنتاجات عن المستقبل ! وينبغي للباحث في هذا الموضوع أن يعرف المقومات الأساسية لشخصية الخليفة عمر..
    فهو أولاً ، عربي معتز بقوميته الى حد أنه يرى أن المخاطب بقوله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا .. هم العرب خاصة !
    قال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 98 ( وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب أن هذه الآية في الحجرات إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، هي مكية وهي للعرب خاصة . الموالي أي قبيلة لهم ؟ وأي شعاب ؟ وقوله إن أكرمكم عندالله أتقاكم ، قال : أتقاكم للشرك ) انتهى .
    وعلى تفسير الخليفة فإن الآية لا تساوي بين العرب وغيرهم كما فهم منها المسلمون. ولعله لذلك أفتى بأنه لا ملك على عربي وبأن العرب لهم أن يتزوجوا من الأمم الأخرى ولكن ليس لهم أن يزوجوهم ، لأن العربية لا كفؤ لها إلا العربي .. الى آخر فتاواه وقراراته في هذا المجال .
    وهو ثانياً : قرشي يحب قريش ويعتز بها اعتزازاً شديداً .. حتى بالطلقاء وقادة الأحزاب بعد انهزامهم وإسلامهم .. فيقول عن معاوية : كسرى العرب ، وعن أبي سفيان : سيد العرب ! بل يثقل عليه يوم فتح مكة أن يدخل أنصاري براية النبي صلى الله عليه وآله وهو يتحدى قادة الأحزاب من قريش في عقر دارهم .. فقد روى البيهقي في سننه ج 10 ص 228 ( ... عن أنس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فقام أهلها سماطين ينظرون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه قال وابن رواحة يمشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن رواحة :
    خلوا بني الكفار عن سبيلِهِ فاليوم نضربكم على تنزيلِهِ
    ضربـاً يزيل الهام عن مَقِيلِهِ ويذهـل الخليـل عن خليلـهِ
    يا رب إني مؤمنٌ بِقِيلِهِ
    فقال عمر رضي الله عنه : يابن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر ؟!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَهْ يا عمر ، فوالذي نفسي بيده لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل ) ! وروى نحوه الترمذي في سننه ج 4 ص 217 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ج 1 ص 235
    وعلى هذا الأساس يجب أن نعرف أن إعجاب الخليفة عمر بالثقافة اليهودية لا يتنافى في نظره مع عروبته وقرشيته بل يخدمهما .. وقد كان تقريبه لكعب الأحبار وتميم الداري وغيرهما ، مشروطاً بأن يحترموا العرب وخاصة قريش .. فإذا شعر منهم انتقاصاً للعرب أو لقريش لم يتردد في اتخاذ الموقف الحاسم منهم .. وقد عنَّفَ كعب الأحبار وتميماً الداري أكثر من مرة .
    إنها نظرة مركبة الى اليهود من عناصر متعددة في ذهنية الخليفة ، وقد نتجت عنها هذه السياسة المركبة مع اليهود ، ومع أن فيها مواقف مضادة لهم لكنها على العموم كانت ترضيهم . وقد روت المصادر المحبة للخليفة مواقفه الدالة على هذه السياسة ، وروت أن بعض مواقفه جاء على شكل اندفاع خطير منه لإدخال الثقافة اليهودية في الإسلام ، فنهاه النبي صلى الله عليه وآله مرات متعددة عن ذلك .. ثم ذات يوم غضب النبي منه غضباً شديداً ودعا المسلمين الى اجتماع طارئ ليحذرهم من خطورة ما يريده عمر وأصحابه !
    كان عمر في زمن النبي يدرس عند اليهود !
    روى في كنز العمال ج 2 ص 353 ( من مسند عمر رضي الله عنه عن الشعبي قال : نزل عمر بالروحاء ، فرأى ناساً يبتدرون أحجاراً فقال : ما هذا ؟ فقالوا يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الى هذه الأحجار ، فقال : سبحان الله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا راكباً ، مر بواد فحضرت الصلاة فصلى !
    ثم حدث فقال : إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم ، فقالوا : ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا ، قلت وما ذاك إلا أني أعجب من كتب الله كيف يصدق بعضها بعضاً ، كيف تصدق التوراة الفرقان والقرآن التوراة ، فمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أكلمهم يوماً ، فقلت نعم ، فقلت أنشدكم بالله وما تقرؤون من كتابه أتعلمون أنه رسول الله ؟ قالوا : نعم فقلت : هلكتم والله ، تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه ؟! فقالوا لم نهلك ولكن سألناه من يأتيه بنبوته ؟ فقال : عدونا جبريل لأنه ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك ونحو هذا ، فقلت : ومن سلمكم من الملائكة ؟ فقالوا : ميكائيل ، ينزل بالقطر والرحمة وكذا ، قلت وكيف منزلتهما من ربهما ؟ قالوا : أحدهما عن يمينه ، والآخر من الجانب الآخر . فقلت إنه لا يحل لجبريل أن يعادي ميكائيل ولا يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل ، وإني أشهد أنهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا . ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا أريد أن أخبره ، فلما لقيته قال : ألا أخبرك بآيات أنزلت علي ؟ فقلت : بلى يا رسول الله فقرأ: من كان عدواً لجبريل .. حتى بلغ ( الكافرين ) قلت يا رسول الله والله ما قمت من عند اليهود إلا إليك لا خبرك بما قالوا لي وقلت لهم ، فوجدت الله قد سبقني ، قال عمر : فلقد رأيتني وأنا أشد في دين الله من الحجر ــ ق وابن راهويه وابن جرير وابن أبي حاتم ) وسنده صحيح لكن الشعبي لم يدرك عمر ، وروى سفيان بن عيينة في تفسيره عن عكرمة نحوه ، وله طرق أخرى مرسلة تأتي في المراسيل ) انتهى .
    وفي أسباب النزول للسيوطي ج 1 ص 21 أن عمر كان يأتي اليهود فيسمع منهم التوراة .
    وينبغي هنا نشير الى أن ضعف السند في بعض الأحيان لا يضر بالإطمئنان بالرواية.. فعندما لا يكون للرواة ولا لجوهم العام الذي هو جو السلطة أو جو المعارضة ، غرض في جعل الرواية ، أو لا يستطيع الرواة أن يجعلوا الرواية حتى لو أرادوا ذلك .. وتكون القرائن من أحاديث أخرى أو من التاريخ تؤيد مضمون الرواية .. فإن ذلك يدل على أن الرواية لم تولد من فراغ ، بل جاءت من واقع كان له نحو من الوجود .. وهذه الرواية من ذلك النوع الذي لا مصلحة للرواة الذين رووها في وضعها ، بل لو أرادوا أن يضعوها عن لسان الخليفة لما استطاعوا !
    هذا مضافاً الى شهادة بعض علماء إخواننا بصحة سندها ، فهم يقبلون من الشعبي رواياته عن عمر حتى لو لم يذكر الواسطة بينه وبينه .
    ونلاحظ في الرواية أن هدف الخليفة منها أن يقول إن اتخاذكم مصلى من مكان مر عليه النبي وصلى فيه هو من الغلو ! فإنما هو راكب مر بمكان وصلى فيه ! ومع احترامي له فإني أحدثكم عن نفسي كيف ناقشت اليهود فنزل كلامي معهم آية في القرآن .. !
    ومما يساعد على أن الخليفة كان يدرس عند اليهود ، أن بيته كان في عوالي المدينة قريباً من بني قريظة ، وكان ( بيت المدراس ) لليهود في العوالي .. وكان الخليفة عمر بسبب بعد منزله مقدار ساعة أو ساعة ونصف عن وسط المدينة ، يذهب الى مسجد النبي صلى الله عليه وآله كل يومين مرة .. فقد روى البخاري ج 1 ص 31 ( ... عن عمر قال كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً وأنزل يوماً فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته ... ) وروى نحوه في ج 8 ص 4 ورواه البيهقي في سننه ج 7 ص 37 .
    وقد نهاه النبي عن حضور دروسهم !
    قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 148 :
    ( وأخرج البيهقي وضعفه عن عمر بن الخطاب قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعلم التوراة فقال لاتتعلمها وآمن بها وتعلموا ما أنزل اليكم وآمنوا به !! ) . ورواه في كنز العمال ج 1 ص 370
    وقد يكون تضعيف البيهقي للحديث من ناحية فنية بسبب رواته .. وقد يكون بسبب مضمونه وأنه لم يثبت النهي عن النبي صلى الله عليه وآله عن تعلم التوراة .. ومن البعيد أن يكون تضعيفه له لاستبعاد أن الخليفة عمر استأذن النبي صلى الله عليه وآله في أن يدرس التوراة !
    واقترح عمر على النبي أن يكتب
    الصحابة أحاديث اليهود !
    قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 148 :
    وأخرج ابن الضريس عن الحسن أن عمربن الخطاب رضي الله عنه قال يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا ، وقد هممنا أن نكتبها !! فقال يابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصاراً ! ) انتهى .
    وهذه الرواية لم يضعفها ابن الضريس .. وهي تدل على أن الخليفة عمر لم يكن وحده مغرماً بثقافة اليهود ، بل معه آخرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ! وأنهم بلغ إعجابهم بأحاديث اليهود أنهم فكروا أن يكتبوها ! وقد يكونوا كتبوها بالفعل ، لكنهم أرادوا إمضاء النبي لعملهم !
    ويدل طلبهم هذا فيما يدل ، على أن التدوين في مفهوم العرب كان يعني القبول والإعجاب ، وأن كل ما يأخذ بقلب الإنسان لبلاغته أو صدقه ، فهو يستحق الكتابة والتدوين ليحفظ ويستفاد منه .. إلا سنة النبي المظلوم صلى الله عليه وآله !!
    مهما يكن ، فقد كان منزل عمر مجاوراً ليهود بني قريظة ، وكان يحضر درسهم أو درس غيرهم ، وكان هو وأصحابه يستمعون الى أحاديثهم بإعجاب .. ولا بد أن اليهود اهتموا بهؤلاء التلاميذ الذين لم يحصلوا على مثلهم من الأنصار ، وخصصوا لهم مدرساً أو أكثر باللغة العربية ، لأن تدريسهم لبعضهم ومراسمهم كانت بالعبرية ! ولما رأوا إعجاب عمر ورفقائه بدروسهم أرادوا أخذ الإعتراف من النبي صلى الله عليه وآله بثقافتهم ، فقالوا للخليفة عمر وجماعته أطلبوا من نبيكم أن يأذن لكم بكتابة أحاديثنا.. فطلب عمر من النبي ذلك !!
    ولابد أن النبي صلى الله عليه وآله رفض هذا الإقتراح ولم يأذن لعمر أو غيره بكتابة أحاديث اليهود ! لأن الذين ضلوا ولم يستطيعوا هداية أنفسهم لا يمكنهم هداية غيرهم، كما جاء في نهيه الآتي صلى الله عليه وآله !!
    ولعل استئذان عمر بدراسة التوراة كان بعد نهي النبي له عن كتابة ثقافتهم ، ومعنى هذا الطلب أننا لا ندرس أحاديثهم ولا نكتبها ، لكن اسمح لنا بدراسة التوراة المنزلة على موسى ! فيكون ذلك حركة من اليهود لأخذ اعتراف النبي صلى الله عليه وآله بشرعية توراتهم المحرفة ، وتعميم دراستها على المسلمين ، بعد أن يئسوا من الإعتراف بثقافتهم ككل !! ولابد أن النبي صلى الله عليه وآله رفض هذا الإقتراح أيضاً ولم يأذن لعمر أو غيره بدراستها !!
    لكن تدل الروايات على أن علاقة عمر بقيت قائمة مع اليهود ومستمرة ، لأن اقتراحاته لمصلحة الثقافة اليهودية تواصلت على النبي صلى الله عليه وآله بأشكال متعددة ، لأخذ الإعتراف منه بشرعية التوراة .. وبالطبع فشلت كلها !!
    والظاهر أن عمر واصل التلقي منهم ، لأنهم حسب اجتهاده أصحاب كتاب إلهي وعلوم دينية ، وينبغي أن يستفيد من علومهم الى علمه الذي يتعلمه من هذا النبي المبعوث من قريش ومن بني هاشم ..
    ويدل على ذلك أنه بعد مجيئه بنسخ التوراة المعربة عدة مرات.. رآه النبي يوماً يحمل كتاباً فقال له ( ما هذا في يدك يا عمر ؟! فقلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً الى علمنا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة ) وحضر الأنصار بالسلاح ... وكان الإجتماع التاريخي .. كما سيأتي !!
    بنو قريظة عربوا التوراة
    وتبنى مشروعها عمر !
    روى أحمد في مسنده ج 3 ص 469 ( ... عن عبدالله بن ثابت قال جاء عمر بن الخطاب الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عبدالله : فقلت له ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً . قال فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم . إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين ) .ورواه أحمد في ج 4 ص 265
    وروى الدارمي في سننه ج 1 ص 115 ( ... عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله صلى الله عيله وسلم بنسخة من التوراة فقال يا رسول الله هذه نسخة من التوراة فسكت ، فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغير ، فقال أبو بكر : ثكلك الثواكل ما ترى ما بوجه رسول الله ! فنظر عمر الى وجه رسول الله فقال : أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله رضينا بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً . فقال رسول الله صلى الله عيله وسلم : والذي نفس محمد بيده لو بدى لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حياً وأدرك نبوتي لا تبعني ) انتهى . ورواه في أسد الغابة ج 3 ص 126 وقال ( رواه خالد وحريث ابن أبي مطر وزكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن ثابت بن يزيد ، ورواه هشيم وحفص ابن غياث وغيرهما عن مجالد عن الشعبي عن جابر
    ، أخرجه ابن مندة وأبو نعيم ) . وروى شبيهاً له مختصراً في ج 1 ص 235 وقال ( أخرجه ابن مندة وأبو نعيم ) ورواه السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 48 عن أحمد . وفي ج 5 ص 148 وقال ( وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن الضريس والحاكم في الكني والبيهقي في شعب الإيمان) . ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 173 عن عبدالله بن ثابت ، وقال ( رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح ، إلا أن فيه جابر الجعفي وهو ضعيف ) انتهى ، ولكن رأيت أنه روي بطرق أخرى عن ابن ثابت وجابر .. الخ.
    ماذا يعلق الإنسان على هذه الحادثة الخطيرة ؟!
    وهل يمكن للباحث أن يعتبرها حادثة واحدة ، أو مزلقاً واحداً أوقع اليهود فيه الخليفة عمر واستغلوا ميله اليهم واستماعه الى أحاديثهم عن أنبيائهم وتاريخهم .. فخططوا للكيد بالإسلام ورسوله ، فرد الله كيدهم ، وانتبه الخليفة عمر الى خطئه فتاب الى الله ورسوله وقطع علاقته مع أولاد الافاعي ...؟ لو كان هذا القول ممكناً لكان حسناً !!
    بنو زريق عربوا التوراة
    وتبنى مشروعها عمر !
    روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 174 ( عن أبي الدرداء قال جاء عمر بجوامع من التوراة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبدالله بن زيد الذي أري الأذان : أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فقال عمر : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً . فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً ، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين . رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي ، ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون ) انتهى .
    وقد يقول المدافع عن الخليفة هنا : إنها حادثة واحدة ، وقد اشتبه الراوي فقال من بني زريق بدل بني قريظة .. ولكن الرواية التالية تقول شيئاً آخر ..
    يهود خيبر عربوا التوراة
    وتبنى مشروعها عمر !
    روى في كنز العمال ج 1 ص 372 ( عن جبير بن نفير عن عمر قال : انطلقت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتيت خيبر فوجدت يهودياً يقول قولاً فأعجبني ، فقلت : هل أنت مكتبي بما تقول ؟ قال نعم ، فأتيته بأديم فأخذ يملي عليَّ فلما رجعت قلت : يا رسول الله إني لقيت يهودياً يقول قولاً لم أسمع مثله بعدك ! فقال : لعلك كتبت منه ؟ قلت : نعم قال : ائتني به فانطلقت فلما أتيته قال : أجلس إقراه فقرأت ساعة ونظرت الى وجهه فإذا هو يتلون فصرت من الفرق لا أجيز حرفاً منه ، ثم رفعته إليه ثم جعل يتبعه .
    ( قال في الهامش : وفي المنتخب ، ع ، وابن جرير ، قط ، في الإفراد ، طب ، وأبو نعيم .. والديلمي رسماً رسماً يمحوه بريقه وهو يقول لا تتبعوا هؤلاء فإنهم قد تهوكوا حتى محا آخر حرف ، حل ) .
    وفي كنز العمال ج 1 ص 201 ( حم ، ه‍ ، عن ابن عباس ) إن عمر أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فغضب ، قال فذكره .. لتهوكون كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي ) انتهى .
    وقال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 148 :
    ( وأخرج عبدالرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل يقرأ كتاباً فاستمعه ساعة فاستحسنه ، فقال للرجل أكتب لي من هذا الكتاب . قال نعم ، فاشترى أديماً فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون ، ضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب وقال ثكلتك أمك يابن الخطاب ! أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم ، وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إنما بعثت فاتحاً وخاتماً وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه واختصر لي الحديث اختصاراً ، فلا يهلكنكم المتهوكون ) انتهى .
    وروى أحمد في مسنده ج 3 ص 387 ( ... عن جابر بن عبدالله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النبي ، فغضب فقال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني ) .
    ورواه في مجمع الزوائد ج 8 ص 262 ــ عن أحمد .
    وروى في ج 1 ص 174 عن ( عبدالله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال أمتهوكون فيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى كان فيكم حياً ما وسعه إلا أن يتبعني . رواه أحمد وأبويعلى والبزار وفيه مجالد بن سعيد ضعفه أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما .
    وعن جابر أيضاً قال نسخ عمر كتاباً من التوراة بالعربية فجاء به الى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال رجل من الأنصار ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل . والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني . رواه البزار وعند أحمد بعضه وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف اتهم بالكذب ) انتهى .
    وقد يقول المدافع عن الخليفة : إنها آخر مرة .. وقد تاب بعدها الخليفة الى الله ورسوله .. ولكن الروايات تقول إن طمع اليهود وصل الى بيت النبي صلى الله عليه وآله ، عن طريق زوجته حفصة بنت الخليفة عمر ! فهل يكون طمع من هذا النوع إلا مع وجود تقبل من نوع ما ؟!
    اليهود عربوا قصة يوسف
    وتبنت مشروعها حفصة !
    روى عبدالرزاق الصنعاني في مصنفه ج 6 ص 113 ( عن الزهري أن حفصة زوج النبي جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي يتلون وجهه فقال : والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم ) انتهى .
    وقد يقول المدافع عن الخليفة : لا يمكننا أن نحمله مسؤولية عمل ابنته ، ولا نستطيع الجزم بأن نسخة الكتاب من أبيها عمر ، فقد كانت قصة يوسف معروفة ، ونزلت سورتها في مكة .. والنساء تحب أن تعرف قصة يوسف وتتحدث فيها ، فجاء اليهود الى حفصة بهذا الكتاب وهو من أسفار التوراة أو غيرها وطلبوا منها أن تقرأه على النبي صلى الله عليه وآله ، كما طلبوا من أبيها فقرأته بحسن نية .. الخ .
    نقول : لو كان هذا الدفاع ممكناً لكان حسناً .. لكن يظهر مما يأتي أن النبي صلى الله عليه وآله المعروف بتحمله وصبره على كل الناس قد رأى من عمر وجماعته المتهوكين أموراً طفح بها الكيل ، فنفد صبره صلى الله عليه وآله ، وأمره جبريل أن يدعوا المسلمين لاجتماع طارئ بالسلاح ، ويبلغهم رسالة ربه ويقيم عليهم الحجة !!
    إعلان النفير بالسلاح للتحذير من المتهوكين !
    قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 3 ( وأخرج أبو يعلي وابن المنذر وابن أبي حاتم ونصر المقدسي في الحجة والضياء في المختارة عن خالد بن عرفطة قال : كنت جالساً عند عمر إذ أتاه رجل من عبد القيس فقال له عمر أنت فلان العبدي قال نعم فضربه بقناة معه ! فقال الرجل ما لي يا أميرالمؤمنين ؟ قال أجلس فجلس ، فقرأ عليه : بسم الله الرحمن الرحيم .الر . تلك آيات الكتاب المبين . الى قوله لمن الغافلين .. فقرأها عليه ثلاثاً ، وضربه ثلاثاً ! فقال له الرجل مالي يا أمير المؤمنين ؟! فقال : أنت الذي نسخت كتاب دانيال ؟ قال مرني بأمرك أتبعه . قال : إنطلق فامحه بالحميم والصوف ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحداً من الناس . فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة . ثم قال أجلس فجلس بين يديه فقال : انطلقت أنا فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا في يدك يا عمر ؟ فقلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً الى علمنا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار : أغضب نبيكم ، السلاح ! فجاؤا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الذين آمنوا إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصاراً ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون ! قال عمر رضي الله عنه فقمت فقلت : رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولاً . ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم !! ) انتهى ، ورواه في كنز العمال ج 1 ص 371 ورمز له ( ع ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عق ، ونصر المقدسي ، ص ، في الحجة . وله طريق ثان في المراسيل ) ورواه في مجمع الزوائد ج 1 ص 173 ، وقال ( رواه أبو يعلي وفيه عبد الرحمن بن إسحق ضعفه أحمد وجماعة ويأتي الحديث بقصته وتمامه في باب الإقتداء بالسلف ) .
    وفي لسان الميزان ج 2 ص 408 ( ... عن عمر رضي الله عنه قال انتسخت كتاباً من أهل الكتاب فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يدي فقال ما هذا الكتاب يا عمر ؟ قلت انتسخته من أهل الكتاب لنزداد به علماً الى علمنا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤوا حتى أحدقوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أوتيت جوامع الكلم وخواتمه ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تهيلوا ولا يغرنكم المتهيلون . فقال عمر رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولاً ) انتهى .
    إن هذه القصة تكشف عن حلقة بارزة من فعاليات النبي صلى الله عليه وآله لإحباط واحدة من خطط اليهود لفرض ثقافتهم على الإسلام وجعل محمد صلى الله عليه وآله كأحد أنبياء التوراة الذين اضطهدوهم وشوهوا تاريخهم !!
    وعندما يصل طمع اليهود الى مطالبة النبي والمسلمين أن يتبنوا توراتهم المحرفة .. وعندما يؤثروا على بعض كبار أصحاب النبي وبعض زوجات النبي .. فالله يعلم كم كان حجم نشاطهم وفعالياتهم وضغوطهم على النبي صلى الله عليه وآله ؟!
    وهي قصة غنية بالدلالات ، فمنها :
    أن الخليفة عمر كان دائماً بطل التأثر بالثقافة اليهودية .. فالقصة هنا جديدة وهي أن النبي صلى الله عليه وآله رأى في يد عمر كتاباً فأحس بالخطر ! لقد وصل الأمر في الأمة الى التلقي الرسمي من اليهود .. ولم ينفع معهم الشرح والتوضيح والنهي .. ولذا كان على النبي هذه المرة أن يبادر هو بالسؤال ( فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يدي فقال ما هذا الكتاب يا عمر ؟! ... فقال لي رسول الله ما هذا في يدك يا عمر ؟ فقلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً الى علمنا ، فغضب رسول الله حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة !! فقالت الأنصار : أغضب نبيكم ، السلاح !! ) .
    وفي هذا الموقف دلالة واضحة على أن نهي النبي عن ثقافتهم لم يؤثر ! بل استمرت حركة اليهود في أصحابه ! واستمر أصحابه في خدمة خطتهم عن سذاجة أو اجتهاد !
    وأمام هذه الأسلحة القاتلة .. لابد من إعلان النفير المسلح وإطلاق حكم الله تعالى في ثقافة اليهود وفي المبهورين بها أو عملائها لا فرق ، ولابد من حَفْرِ ذلك في أذهان الأمة حفراً في حالة الغضب .. وتحت السلاح !!
    وثاني هذه الدلالات ، أن خطبة النبي صلى الله عليه وآله لابد أنها كانت أطول مما نقله الخليفة عمر أو تذكره منها !!
    ولكن الموجود منها بَرَكَة، والأمور الأربعة الواردة فيها كافية لمعرفة الوضع المرضي في الأمة والدواء النبوي له ..
    (فقال : يا أيها الذين آمنوا إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصاراً ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون ! ) :
    الأمر الأول ، إذا كان يعجبكم بلاغة حاخامات اليهود ورهبانهم وقلتم إن أحاديثهم لفصاحتها وبلاغتها تأخذ بمجامع قلوبكم ! فإن نبيكم أبلغ منهم يامن تدعون معرفة الفصاحة والبلاغة ! فقد أعطاه الله تعالى جوامع الكلم وطوع الله له المعاني والألفاظ تطويعاً لم يعطه حتى لموسى بن عمران ! فما لكم تدعون الايمان بالله ورسوله ثم تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟!
    والأمر الثاني ، لقد أتيتكم بالعقيدة الخاتمة والشريعة الخاتمة ، بيضاء نقية ، وهؤلاء قد غيروا عقائدهم وشرائعهم وحرفوها حتى صارت كدرة مخلوطة .. فما لكم تستبدلون الأبلج المشرق بالداكن المظلم ، والزلال الصافي بالآسن الكدر ؟!!
    والأمر الثالث ، إن الله أمرني أن أنهاكم عن السير وراء هؤلاء والتأثر بهم كثيراً أو قليلاً .. وإن فعلتم فأنتم متهوكون ضالون .
    والأمر الرابع ، أخبرني ربي بأنكم ستتهوكون وتضيعون كما ضاعت اليهود والنصارى ، وقد بدأت بوادره فيكم .. فإني أحذركم المتهوكين منكم الذين هم في الواقع أتباع لهم ، وضائعون ضالون مثلهم ، وإني أنهاكم عنهم كما نهيتكم عن أسيادهم ، ولعل التأثر بالتابع أسوأ من التأثر بالمتبوع !!
    وثالث هذه الدلالات ، أن النبي صلى الله عليه وآله عندما رأى الكيل طفح والخطر وصل الى البيت ، نفد صبره النبوي .. ولكنه لم يجب عمر على كلامه ! بل قرر هذه المرة أن يدعو المسلمين الى اجتماع طارئ ويخاطبهم بدل أن يخاطب عمر .. ولعل السبب في ذلك أن واجبه إقامة الحجة وقد أقامها على عمر مرات .. وقد بقي عليه أن يقيمها على المسلمين .. أو لأنه يريد الإحتفاظ بعلاقته مع عمر ولا يقطعها أو يوترها .
    لكن قد يكون النبي صلى الله عليه وآله عندما سمع جواب عمر أجابه جواباً شديداً، ولكن الخليفة لم ينقله ، ولا نقله الرواة خوفاً من الخليفة ، كما أنهم لم ينقلوا الرواية إلا عن لسان الخليفة !
    مهما يكن ، فقد جاء تحذيره صلى الله عليه وآله قوياً شديداً حاسماً ، أقام فيه الحجة عليهم جميعاً بمن فيهم عمر ، وبين للمسلمين غناهم عن استيراد ثقافة أهل الكتاب ، وخط لهم دونها خطاً أحمر !
    ورابع هذه الدلالات ، أن أحداً غير الخليفة عمر لم ينقل هذه الحادثة الخطيرة ولا شيئاً من خطبة النبي صلى الله عليه وآله في هذا الموضوع الخطير ، إلا ما رواه الشيعة !
    وهذا يدل على سيطرة الخليفة عمر ونفوذه الكامل بعد النبي صلى الله عليه وآله بحيث أن أحداً لا يجرؤ أن ينقل قصة يمكن أن تكون طعناً فيه ، الى أن ينقلها هو بالصيغة التي يختارها ..
    والحمد لله أن من صفات الخليفة عمر أنه كان كثير الحديث عن أموره بجرأة واطمئنان.. ولولا ذلك لما وصلت إلينا نتف هذه الرواية وأمثالها من مصادر إخواننا !!
    وخامس هذه الدلالات ، ما ذكره العلامة الحلي في تذكرة الفقهاء ج 2 ص 429 ، قال ( مسألة : لا يجوز الوقف على كتابة التوراة والإنجيل لأنهما منسوخان محرفان ولا نعلم فيه خلافاً ، لما روى العامة أن رسول الله خرج الى المسجد فرأى في يد عمر صحيفة فيها شئ من التوراة فغضب النبي صلى الله عليه وآله لما رأى الصحيفة مع عمر وقال له : أفي شك أنت يابن الخطاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقية ؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي . ولولا أن ذلك معصية لما غضب منه . وكذا لا يجوز الوقف على كتبة كتب الضلال وجميع ما لا يحل كتابته لأنها جهة محرمة ) انتهى .
    والظاهر أن العلامة الحلي وجد رواية أخرى غير ما ذكرنا وقد خاطب بها النبي عمر مباشرة .. ولابد أن قصتها كانت قبل دعوته صلى الله عليه وآله المسلمين الى النفير العام والتجمع في المسجد !!

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 3:35