أنّ المرء مكلَّف بكتمان عقائده أمام المتعصب العنيد الذي لا يفهم لغة النطق، إذا كان في إظهارها خطراً على حياته أو شيء من هذا القبيل دون أن يحقق من وراء إظهارها أية فائدة ترتجى، ونطلق على هذا السلوك اسم التقيّة التي أخذناها عن آيتين في القرآن المجيد ومن الدليل العقلي.
قال تعالى في مؤمن آل فرعون: )وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربكم( [المؤمنون/ 28].
وعبارة )يكتم إيمانه( فيها تصريح بمسألة التقيّة، فهل كان من الصحيح أن يُعلن مؤمن آل فرعون إيمانه ويعرّض حياته للخطر دون أن يحقّق شيئاً؟
كما أمر الله بعض المؤمنين المجاهدين في صدر الإسلام الذين بين براثن المشركين بالتقيّة وقال: )لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة( [آل عمران/ 28].
وعليه فإن التقيّة تعني كتمان العقيدة حينما تتعرّض نفس الإنسان وماله وعِرضه للخطر أمام عدو متعصب عنيد، دون أن يستطيع تحقيق أمرٍ ما؛ ففي مثل هذه الحالة يجب أن لا يلقي الإنسان بنفسه في التهلكة ويفرّط بالطاقات الموجودة، بل عليه أن يحتفظ بها إلى وقت الضرورة واللزوم، ولهذا قال الإمام الصادق (عليه السلام(: ((التقيّة ترس المؤمن((. [وسائل الشيعة للحرّ العاملي 11: 461، الحديث 6، الباب 24. وورد ((ترس الله في الأرض(( في بعض الأحاديث].
والترس هنا تعبير لطيف يبيّن أن التقيّة وسيلة دفاعية أمام العدو.
وقضية عمّار بن ياسر معروفة في التزامه بالتقيّة أمام المشركين وتأييده من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم(. [ذكر هذه الرواية الكثير من المفسرين والمؤرِّخين والمحدثين، منهم الواحدي في أسباب النزول، والطبري والقرطبي والزمخشري والفخر الرازي والبيضاوي والنيسابوري في تفاسيرهم في ذيل الآية 106 من سورة النحل].
إنّ استتار الجنود في ميادين الحرب، وإخفاء الأسرار العسكرية عن العدو وأمثال ذلك كلها تعتبر من التقيّة في الحياة البشرية، فالتقيّة تعني بصفة عامة الكتمان حينما يؤدي الإظهار إلى الخطر والضرر دون أن يُسفر عن فائدة؛ وهذا حكم عقلي وشرعي لا يعمل به المسلمون الشيعة فحسب بل جميع مسلمي العالم بل عقلاؤهم عند الضرورة.
ومن المستغرب جدّاً أن يعتبر بعض الباحثين التّقية خاصّة بالشيعة وأتباع آل البيت، ويحاول أن يجعلها مورد طعن فيهمن في حين أن المسألة ليس فيها لبس ولا غموض، وهي مأخوذة من كتاب الله ومن الأحاديث ومن سير الصحابة، وهي أيضاً مما يمضيها ويعمل بها جميع العقلاء في العالم.