بسم الله الرحمن الرحيم
بحث في أن المعوذتين سورتان من القرآن !
يتضح من روايات سورتي المعوذتين في مصادر إخواننا السنة أنه كانت توجد مؤامرة لحذفهما من القرآن ، ولكنها فشلت والحمد لله ، وحفظ الله المعوذتين جزء من القرآن عند كل المسلمين ! وهو سبحانه القائل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
ولكن لماذا هذه المؤامرة ؟ وما هو هدفها ؟ ومن هو أصلها ؟!
فهل كان ذلك بسبب ارتباط هاتين السورتين بالحسن والحسين عليهما السلام ، حيث كان النبي صلى الله عليه وآله يعوذهما دائما بدعاء، على مرأى ومسمع من الناس ويقول إيتوني بولدي أعوذهما كما كان
ابراهيم يعوذ اسحاق ويعقوب ، فلما نزلت امعوذتان كان يعوذهما بهما ؟!!
روى أحمد في مسنده ج 5 ص 130 ( ... عن زر قال قلت لأبيٍّ : إن أخاك يحكُّهما من المصحف ، فلم ينكر ! قيل لسفيان : ابن مسعود ؟ قال نعم . وليسا في مصحف ابن مسعود ، كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شئ من صلاته ، فظن أنهما عوذتان وأصر على ظنه ، وتحقق الباقون كونهما من القرآن فأودعوهما إياه ! ) .
وروى نحوه ابن ماجة في سننه ولكن لم يذكر الحسن والحسين ، قال في ج 2 ص1161 ( عن أبي سعيد ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ، ثم أعين الأنس ، فلما نزل المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك ) .
وروى الترمذي في سننه ج 3 ص 267 أن النبي كان ( يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان ، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما ) .
ورواه في كنز العمال ج 7 ص77 عن ( ت ن ه ، والضياء عن أبي سعيد ) .
وروى البخاري في صحيحه تعويذ النبي للحسنين عليهماالسلام بدعاء آخر غير المعوذتين ، قال في ج 4 ص 119 (... عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها اسمعيل واسحق : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ) .
وروى ابن ماجة في ج 2 ص 1165 ( عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة . قال وكان أبونا إبراهيم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق . أو قال إسماعيل ويعقوب ) . ومثله أبو داود في ج 2 ص 421 ، والترمذى في سننه ج 3 ص 267 ، والحاكم في المستدرك ج 3 ص 167 وج 4 ص 416 وقال في الموردين ( صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) . وأحمد في مسنده ج 1 ص 236 وص 270
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 113 بعدة روايات ..وفي إحداها عن عبد الله بن مسعود فيها تفصيل جميل قال :
( كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر به الحسين والحسن وهما صبيان فقال : هاتوا ابني أعوذهما مما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحق ، قال أعيذكما بكلمات الله التامة من كل عين لامة ومن كل شيطان وهامة . رواه الطبراني وفيه محمد بن ذكوان وثقة شعبة وابن حبان وضعفه جماعة ، وبقية رجاله ثقات ) .
ورواه في كنز العمال عن عمر ، في ج 2 ص 261 وج 10 ص 108 قال ( عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يعوذ حسناً وحسيناً يقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ــ حل ) .
وروى البخاري ذلك بعدة روايات عن عائشة بتفاوت في الدعاء ، لكنها لم تسم فيهما الحسنين ! قال في ج 7 ص 24 ( ... حدثني سليمان عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول الله رب الناس أذهب الباس واشفه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً . قال سفيان حدثت به منصوراً فحدثني عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة نحوه ... روايتين في ج 7 ص 26 ( ... عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه ... اذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً. فذكرته لمنصور فحدثني عن ابراهيم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها بنحوه ) . وروى نحوه أحمد في مسنده ج 6 ص 44 و45 .. إلخ .
من هذه الروايات نعرف أن النبي صلى الله عليه وآله كان يهتم اهتماماً خاصاً بولديه الحسن والحسين عليهما السلام وتعويذهما بكلمات الله تعالى لدفع الحسد والشر عنهما ، وأنه كان يفعل ذلك عمداً أمام الناس لتركيز مكانتهما في الأمة والتأكيد على أنهما ذريته وامتداده .. كما كان إسحاق واسماعيل بقية ابراهيم وامتداده عليهم السلام ! وأنه بعد نزول المعوذتين كان يعوذهما دائماً بهما ! وبهذا ارتبطت السورتان في ذهن الأمة بالحسنين وسرى اليهما الحسد منهما .. أو الحب !!
وتحاول الروايات تصوير عبدالله بن مسعود بأنه حامل راية العداء للمعوذتين وتنقل إصراره على حذفهما من القرآن !
ولكن توجد أمور توجب الشك في ذلك ..
منها: أن ابن مسعود لم يكن معروفاً ببغض علي والحسن والحسين عليهم السلام..
ومنها : أنه يستبعد أن لا يكون ابن مسعود اطلع على تأكيدات النبي صلى الله عليه وآله التي نقلها الصحابة وأهل البيت عليهم السلام على أن المعوذتين سورتان منزلتان !
ومنها : ما يدل على أن ترك المعوذتين شاع في أوساط من المسلمين حتى كانوا يسخرون ممن يعتقد أنهما من القرآن ويقرأ بهما في صلاته ! وهذا أمر أكبر من تأثير ابن مسعود ، وهو عادة لا يحدث بدون عمل من السلطة مؤثر على الناس !
قال أحمد في مسنده ج 1 ص 282 ( حنظلة السدوسي قال قلت لعكرمة : إني أقرأ في صلاة المغرب بقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وإن ناساً يعيبون ذلك عليَّ!! فقال وما بأس بذلك ، إقرأهما فإنهما من القرآن ! )
وينبغي أن نتذكر هنا أن عكرمة هو عبد لابن عباس الهاشمي ومنه أخذ ثقافته القرآنية ، وإن صار فيما بعد من الخوارج .
ومنها : أنه رويت عن ابن مسعود رواية أو أكثر في فضل سورتي المعوذتين ، فهي تناقض رواية أنه أنكرهما ..
ففي كنز العمال ج 1 ص 601 ( استكثروا من السورتين يبلغكم الله بهما في الآخرة : المعوذتين ينوران القبر ويطردان الشيطان ويزيدان
في الحسنات والدرجات ويثقلان الميزان ويدلان صاحبهما الى الجنة ـ الديلمي عن ابن مسعود ) .
ومنها : أن تهمة حذف المعوذتين لم تقتصر على ابن مسعود ، فقد تظافرت الروايات على أن أبيّ بن كعب اتخذ موقفاً محايداً فلا هو خطأ ابن مسعود في حذفهما ولا هو شهد بأنهما من القرآن !
والحياد أمام نفي شئ من القرآن نفي لقرآنيته ، وشهادة بعدم وجود دليل على أنه من القرآن !!
روى أحمد في مسنده ج 5 ص 129 ( عن زر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب: إن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ! فقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل عليه السلام قال له : قل أعوذ برب الفلق فقلتها ، فقال قل أعوذ برب الناس فقلتها . فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم !! ) ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 149 وقال ( رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ) !
وروى البيهقي في سننه ج2 ص394 عن أبي بن كعب قال ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين فقال قيل لي فقلت . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... زر بن حبيش يقول سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقلت يا بالمنذر إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف؟ قال إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقيل لي فقلت. فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
قال ابن حجر في لسان الميزان ج 3 ص 81 ( واختلف على أبي بن كعب في إثبات المعوذتين ) انتهى .
ومعنى كلام أبي ابن كعب كما تدعي هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله لم يصرح بأن المعوذتين سورتان من القرآن ، بل قال : قال لي جبرئيل : قل أعوذ برب الفلق ... قل أعوذ برب الناس .. !!
فلم ينص النبي على أنهما سورتان ولو قال إنهما من قول جبرئيل ، فقد يكون جبرئيل علمه إياهما ليعوذ بهما الحسنين فقط ، وليس لتكونا جزء من القرآن !!
هذه الأمور وغيرها .. تدفع الباحث الى القول بأن جوا سياسيا معينا كان يستنكر على الناس ويعيب عليهم قراءة المعوذتين في الصلاة !!
وهو المسؤول عن نسبة هذه الروايات الى ابن مسعود وابن كعب .
وبسبب ذلك ذهب بعض الباحثين الى تكذيب نسبة هذا الرأي الى ابن مسعود مثل الفخر الرازي والباقلاني وابن حزم ..
قال السيوطي في الإتقان ج 1 ص 227 عن عدد السور ( وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنتا عشرة لأنه لم يكتب المعوذتين ! وفي مصحف أبي ست عشرة لأنه كتب قط آخره ( سورتي ) الحفد والخلع ! ) . وأورد في ص 270 دفاع الفخر الرازي والقاضي أبي بكر والنووي وابن حزم عن ابن مسعود ، ولكنه رجح كلام ابن حجر في شرح البخاري بأنه قد صح ذلك عن ابن مسعود ، فلا يمكن إنكاره ..
البخاري ومقف التشكيك العجيب !!
أمام هذه التشكيكات في المعوذتين في مصادر إخواننا السنة ، يبقى عندهم عدد من الروايات التي تثبت جزئيتهما من القرآن الكريم ، وعمدتها ما رووه عن عقبة بن عامر الجهني كما في مسلم ج 2 ص 200 فقال ( عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط ، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس . ... عن عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزل أو أنزلت عليَّ آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين . وحدثناه أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح ، وحدثني محمد بن رافع حدثنا أبوأسامة كلاهما عن إسماعيل بهذا الإسناد مثله ) .
ورواها الترمذي ج 5 ص 122 وج 4 ص 244 وقال في الموردين ( هذا حديث حسن صحيح ) ثم روى عن عقبة ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين في دبر كل صلاة . وقال هذا حديث حسن غريب ) . ثم كرر رواية ابن كعب . ورواه البيهقي في سننه ج 2 ص 394 .
وقال الشافعي في كتاب الأم ج 7 ص 199 ( أخبرنا وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحق ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : رأيت عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا به ما ليس منه ـ ثم قال عبد الرحمن ـ وهم يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في صلاة الصبح وهما مكتوبتان في المصحف الذي جمع على عهد أبي بكر ثم كان عند عمر ثم عند حفصة ثم جمع عثمان عليه الناس ، وهما من كتاب الله عز وجل ، وأنا أحب أن أقرأ بهما في صلاتي ) .
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 148 عدة روايات في إثبات أن المعوذتين من القرآن .
أما البخاري فقد اختار أن يقف في صف المشككين في المعوذتين !
فقد كان روى رواية عقبة في تاريخه الكبير ج 3 ص 353 ثم تراجع عن روايتها في صحيحه ، فلم يرو إلا روايات أبي ابن كعب المتزلزلة المشككة !
مع أنه عقد في صحيحه عنوانين للمعوذتين لكن اكتفى بروايات التشكيك دون غيرها !
وقد ألف تاريخه قبل صحيحه كما في تذكرة الحفاظ ج 2 ص 555 !!
قال في صحيحه ج6 ص96 ( سورة قل أعوذ برب الفلق... عن زر بن حبيش قال سألت أبيَّ بن كعب عن المعوذتين فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قيل لي فقلت . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... سورة قل أعوذ برب الناس ... وحدثنا عاصم عن زر قال سألت أبيَّ بن كعب قلت أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا . فقال أبيّ : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي قيل لي فقلت ، قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) انتهى ،
فيكون البخاري متوقفاً في أنهما من القرآن لعدم ثبوت دليل على ذلك عنده !!
ومن طريف ما تقرأ في إرشاد الساري في شرح البخاري ج 7 ص 442 قول القسطلاني ( وقع الخلاف في قرآنيتهما ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع عليه ، فلو أنكر أحد قرآنيتهما كفر ) انتهى .
وقد تضمن كلامه فتوى بتبرئة الذين خالفوا إجماع الصحابة من الماضين ، وتكفير من خالف إجماعهم ممن بعدهم ..
ولا نظن إخواننا السنة يلتزمون بذلك !
وتضمن فتوى أخرى بكفر منكر قرآنية المعوذتين من بعد الصحابة وكأن ذلك مما أجمع عليه الفقهاء .. ولم يذكر حكم من شك فيهما كالبخاري الذي اقتصر على نقل روايات التشكيك ، وتجاهل روايات جزئيتهما من القرآن ولم يعتمدها في صحيحه !!
موقف أهل بيت النبي عليهم السلام وشيعتهم من المعوذتين :
لا يوجد في مصادرنا الشيعية أثر لسورتي الخلع والحفد .. كما لا توجد ذرة غبار على أن المعوذتين جزء من القرآن ، بل كان موقف الأئمة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله التأكيد على قرآنيتهما .. روى الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ج 2 ص96 ( .. عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم قال : أمرني أبو عبدالله عليه السلام أن أقرأ المعوذتين في المكتوبة ) .
وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة ج 4 ص 786 ( عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن المعوذتين أهما من القرآن ؟ فقال : هما من القرآن . فقال الرجل : إنهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه . فقال أبو عبد الله: أخطأ ابن مسعود ، أو قال كذب ابن مسعود ، وهما من القرآن . فقال الرجل : فأقرأ بهما في المكتوبة ؟ فقال نعم ) انتهى .
- وقال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة ج 8 ص 230 :
( الثانية : أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أن المعوذتين من القرآن العزيز وأنه يجوز القراءة بهما في الصلاة المفروضة ، وروى منصور بن حازم قال : أمرني أبوعبد الله عليه السلام أن أقرأ المعوذتين في المكتوبة . وعن صفوان الجمال في الصحيح ... قال في الذكرى : ونقل عن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن وإنما أنزلتا لتعويذ الحسن والحسين عليهما السلام ! وخلافه انقرض ، واستقر الإجماع الآن من العامة والخاصة على ذلك ) انتهى .
بحث في أن المعوذتين سورتان من القرآن !
يتضح من روايات سورتي المعوذتين في مصادر إخواننا السنة أنه كانت توجد مؤامرة لحذفهما من القرآن ، ولكنها فشلت والحمد لله ، وحفظ الله المعوذتين جزء من القرآن عند كل المسلمين ! وهو سبحانه القائل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
ولكن لماذا هذه المؤامرة ؟ وما هو هدفها ؟ ومن هو أصلها ؟!
فهل كان ذلك بسبب ارتباط هاتين السورتين بالحسن والحسين عليهما السلام ، حيث كان النبي صلى الله عليه وآله يعوذهما دائما بدعاء، على مرأى ومسمع من الناس ويقول إيتوني بولدي أعوذهما كما كان
ابراهيم يعوذ اسحاق ويعقوب ، فلما نزلت امعوذتان كان يعوذهما بهما ؟!!
روى أحمد في مسنده ج 5 ص 130 ( ... عن زر قال قلت لأبيٍّ : إن أخاك يحكُّهما من المصحف ، فلم ينكر ! قيل لسفيان : ابن مسعود ؟ قال نعم . وليسا في مصحف ابن مسعود ، كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شئ من صلاته ، فظن أنهما عوذتان وأصر على ظنه ، وتحقق الباقون كونهما من القرآن فأودعوهما إياه ! ) .
وروى نحوه ابن ماجة في سننه ولكن لم يذكر الحسن والحسين ، قال في ج 2 ص1161 ( عن أبي سعيد ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ، ثم أعين الأنس ، فلما نزل المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك ) .
وروى الترمذي في سننه ج 3 ص 267 أن النبي كان ( يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان ، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما ) .
ورواه في كنز العمال ج 7 ص77 عن ( ت ن ه ، والضياء عن أبي سعيد ) .
وروى البخاري في صحيحه تعويذ النبي للحسنين عليهماالسلام بدعاء آخر غير المعوذتين ، قال في ج 4 ص 119 (... عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها اسمعيل واسحق : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ) .
وروى ابن ماجة في ج 2 ص 1165 ( عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة . قال وكان أبونا إبراهيم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق . أو قال إسماعيل ويعقوب ) . ومثله أبو داود في ج 2 ص 421 ، والترمذى في سننه ج 3 ص 267 ، والحاكم في المستدرك ج 3 ص 167 وج 4 ص 416 وقال في الموردين ( صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) . وأحمد في مسنده ج 1 ص 236 وص 270
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 113 بعدة روايات ..وفي إحداها عن عبد الله بن مسعود فيها تفصيل جميل قال :
( كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر به الحسين والحسن وهما صبيان فقال : هاتوا ابني أعوذهما مما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحق ، قال أعيذكما بكلمات الله التامة من كل عين لامة ومن كل شيطان وهامة . رواه الطبراني وفيه محمد بن ذكوان وثقة شعبة وابن حبان وضعفه جماعة ، وبقية رجاله ثقات ) .
ورواه في كنز العمال عن عمر ، في ج 2 ص 261 وج 10 ص 108 قال ( عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يعوذ حسناً وحسيناً يقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ــ حل ) .
وروى البخاري ذلك بعدة روايات عن عائشة بتفاوت في الدعاء ، لكنها لم تسم فيهما الحسنين ! قال في ج 7 ص 24 ( ... حدثني سليمان عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول الله رب الناس أذهب الباس واشفه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً . قال سفيان حدثت به منصوراً فحدثني عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة نحوه ... روايتين في ج 7 ص 26 ( ... عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه ... اذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً. فذكرته لمنصور فحدثني عن ابراهيم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها بنحوه ) . وروى نحوه أحمد في مسنده ج 6 ص 44 و45 .. إلخ .
من هذه الروايات نعرف أن النبي صلى الله عليه وآله كان يهتم اهتماماً خاصاً بولديه الحسن والحسين عليهما السلام وتعويذهما بكلمات الله تعالى لدفع الحسد والشر عنهما ، وأنه كان يفعل ذلك عمداً أمام الناس لتركيز مكانتهما في الأمة والتأكيد على أنهما ذريته وامتداده .. كما كان إسحاق واسماعيل بقية ابراهيم وامتداده عليهم السلام ! وأنه بعد نزول المعوذتين كان يعوذهما دائماً بهما ! وبهذا ارتبطت السورتان في ذهن الأمة بالحسنين وسرى اليهما الحسد منهما .. أو الحب !!
وتحاول الروايات تصوير عبدالله بن مسعود بأنه حامل راية العداء للمعوذتين وتنقل إصراره على حذفهما من القرآن !
ولكن توجد أمور توجب الشك في ذلك ..
منها: أن ابن مسعود لم يكن معروفاً ببغض علي والحسن والحسين عليهم السلام..
ومنها : أنه يستبعد أن لا يكون ابن مسعود اطلع على تأكيدات النبي صلى الله عليه وآله التي نقلها الصحابة وأهل البيت عليهم السلام على أن المعوذتين سورتان منزلتان !
ومنها : ما يدل على أن ترك المعوذتين شاع في أوساط من المسلمين حتى كانوا يسخرون ممن يعتقد أنهما من القرآن ويقرأ بهما في صلاته ! وهذا أمر أكبر من تأثير ابن مسعود ، وهو عادة لا يحدث بدون عمل من السلطة مؤثر على الناس !
قال أحمد في مسنده ج 1 ص 282 ( حنظلة السدوسي قال قلت لعكرمة : إني أقرأ في صلاة المغرب بقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وإن ناساً يعيبون ذلك عليَّ!! فقال وما بأس بذلك ، إقرأهما فإنهما من القرآن ! )
وينبغي أن نتذكر هنا أن عكرمة هو عبد لابن عباس الهاشمي ومنه أخذ ثقافته القرآنية ، وإن صار فيما بعد من الخوارج .
ومنها : أنه رويت عن ابن مسعود رواية أو أكثر في فضل سورتي المعوذتين ، فهي تناقض رواية أنه أنكرهما ..
ففي كنز العمال ج 1 ص 601 ( استكثروا من السورتين يبلغكم الله بهما في الآخرة : المعوذتين ينوران القبر ويطردان الشيطان ويزيدان
في الحسنات والدرجات ويثقلان الميزان ويدلان صاحبهما الى الجنة ـ الديلمي عن ابن مسعود ) .
ومنها : أن تهمة حذف المعوذتين لم تقتصر على ابن مسعود ، فقد تظافرت الروايات على أن أبيّ بن كعب اتخذ موقفاً محايداً فلا هو خطأ ابن مسعود في حذفهما ولا هو شهد بأنهما من القرآن !
والحياد أمام نفي شئ من القرآن نفي لقرآنيته ، وشهادة بعدم وجود دليل على أنه من القرآن !!
روى أحمد في مسنده ج 5 ص 129 ( عن زر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب: إن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ! فقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل عليه السلام قال له : قل أعوذ برب الفلق فقلتها ، فقال قل أعوذ برب الناس فقلتها . فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم !! ) ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 149 وقال ( رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ) !
وروى البيهقي في سننه ج2 ص394 عن أبي بن كعب قال ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين فقال قيل لي فقلت . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... زر بن حبيش يقول سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقلت يا بالمنذر إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف؟ قال إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقيل لي فقلت. فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
قال ابن حجر في لسان الميزان ج 3 ص 81 ( واختلف على أبي بن كعب في إثبات المعوذتين ) انتهى .
ومعنى كلام أبي ابن كعب كما تدعي هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله لم يصرح بأن المعوذتين سورتان من القرآن ، بل قال : قال لي جبرئيل : قل أعوذ برب الفلق ... قل أعوذ برب الناس .. !!
فلم ينص النبي على أنهما سورتان ولو قال إنهما من قول جبرئيل ، فقد يكون جبرئيل علمه إياهما ليعوذ بهما الحسنين فقط ، وليس لتكونا جزء من القرآن !!
هذه الأمور وغيرها .. تدفع الباحث الى القول بأن جوا سياسيا معينا كان يستنكر على الناس ويعيب عليهم قراءة المعوذتين في الصلاة !!
وهو المسؤول عن نسبة هذه الروايات الى ابن مسعود وابن كعب .
وبسبب ذلك ذهب بعض الباحثين الى تكذيب نسبة هذا الرأي الى ابن مسعود مثل الفخر الرازي والباقلاني وابن حزم ..
قال السيوطي في الإتقان ج 1 ص 227 عن عدد السور ( وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنتا عشرة لأنه لم يكتب المعوذتين ! وفي مصحف أبي ست عشرة لأنه كتب قط آخره ( سورتي ) الحفد والخلع ! ) . وأورد في ص 270 دفاع الفخر الرازي والقاضي أبي بكر والنووي وابن حزم عن ابن مسعود ، ولكنه رجح كلام ابن حجر في شرح البخاري بأنه قد صح ذلك عن ابن مسعود ، فلا يمكن إنكاره ..
البخاري ومقف التشكيك العجيب !!
أمام هذه التشكيكات في المعوذتين في مصادر إخواننا السنة ، يبقى عندهم عدد من الروايات التي تثبت جزئيتهما من القرآن الكريم ، وعمدتها ما رووه عن عقبة بن عامر الجهني كما في مسلم ج 2 ص 200 فقال ( عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط ، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس . ... عن عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزل أو أنزلت عليَّ آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين . وحدثناه أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح ، وحدثني محمد بن رافع حدثنا أبوأسامة كلاهما عن إسماعيل بهذا الإسناد مثله ) .
ورواها الترمذي ج 5 ص 122 وج 4 ص 244 وقال في الموردين ( هذا حديث حسن صحيح ) ثم روى عن عقبة ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين في دبر كل صلاة . وقال هذا حديث حسن غريب ) . ثم كرر رواية ابن كعب . ورواه البيهقي في سننه ج 2 ص 394 .
وقال الشافعي في كتاب الأم ج 7 ص 199 ( أخبرنا وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحق ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : رأيت عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا به ما ليس منه ـ ثم قال عبد الرحمن ـ وهم يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في صلاة الصبح وهما مكتوبتان في المصحف الذي جمع على عهد أبي بكر ثم كان عند عمر ثم عند حفصة ثم جمع عثمان عليه الناس ، وهما من كتاب الله عز وجل ، وأنا أحب أن أقرأ بهما في صلاتي ) .
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 148 عدة روايات في إثبات أن المعوذتين من القرآن .
أما البخاري فقد اختار أن يقف في صف المشككين في المعوذتين !
فقد كان روى رواية عقبة في تاريخه الكبير ج 3 ص 353 ثم تراجع عن روايتها في صحيحه ، فلم يرو إلا روايات أبي ابن كعب المتزلزلة المشككة !
مع أنه عقد في صحيحه عنوانين للمعوذتين لكن اكتفى بروايات التشكيك دون غيرها !
وقد ألف تاريخه قبل صحيحه كما في تذكرة الحفاظ ج 2 ص 555 !!
قال في صحيحه ج6 ص96 ( سورة قل أعوذ برب الفلق... عن زر بن حبيش قال سألت أبيَّ بن كعب عن المعوذتين فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قيل لي فقلت . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... سورة قل أعوذ برب الناس ... وحدثنا عاصم عن زر قال سألت أبيَّ بن كعب قلت أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا . فقال أبيّ : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي قيل لي فقلت ، قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) انتهى ،
فيكون البخاري متوقفاً في أنهما من القرآن لعدم ثبوت دليل على ذلك عنده !!
ومن طريف ما تقرأ في إرشاد الساري في شرح البخاري ج 7 ص 442 قول القسطلاني ( وقع الخلاف في قرآنيتهما ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع عليه ، فلو أنكر أحد قرآنيتهما كفر ) انتهى .
وقد تضمن كلامه فتوى بتبرئة الذين خالفوا إجماع الصحابة من الماضين ، وتكفير من خالف إجماعهم ممن بعدهم ..
ولا نظن إخواننا السنة يلتزمون بذلك !
وتضمن فتوى أخرى بكفر منكر قرآنية المعوذتين من بعد الصحابة وكأن ذلك مما أجمع عليه الفقهاء .. ولم يذكر حكم من شك فيهما كالبخاري الذي اقتصر على نقل روايات التشكيك ، وتجاهل روايات جزئيتهما من القرآن ولم يعتمدها في صحيحه !!
موقف أهل بيت النبي عليهم السلام وشيعتهم من المعوذتين :
لا يوجد في مصادرنا الشيعية أثر لسورتي الخلع والحفد .. كما لا توجد ذرة غبار على أن المعوذتين جزء من القرآن ، بل كان موقف الأئمة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله التأكيد على قرآنيتهما .. روى الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ج 2 ص96 ( .. عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم قال : أمرني أبو عبدالله عليه السلام أن أقرأ المعوذتين في المكتوبة ) .
وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة ج 4 ص 786 ( عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن المعوذتين أهما من القرآن ؟ فقال : هما من القرآن . فقال الرجل : إنهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه . فقال أبو عبد الله: أخطأ ابن مسعود ، أو قال كذب ابن مسعود ، وهما من القرآن . فقال الرجل : فأقرأ بهما في المكتوبة ؟ فقال نعم ) انتهى .
- وقال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة ج 8 ص 230 :
( الثانية : أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أن المعوذتين من القرآن العزيز وأنه يجوز القراءة بهما في الصلاة المفروضة ، وروى منصور بن حازم قال : أمرني أبوعبد الله عليه السلام أن أقرأ المعوذتين في المكتوبة . وعن صفوان الجمال في الصحيح ... قال في الذكرى : ونقل عن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن وإنما أنزلتا لتعويذ الحسن والحسين عليهما السلام ! وخلافه انقرض ، واستقر الإجماع الآن من العامة والخاصة على ذلك ) انتهى .