مؤسسة النبأ العظيم الثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مؤسسة النبأ العظيم الثقافية

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْـتُضْـعِـفُـوا فِـي الْأَرْضِ وَنَجـْعَـلَـهُـمْ أَئِـمَّـةً وَنَجْعَلَهُمُ الْـوَارِثِـينَ ونُـمَـكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ


    رد شبهة البناء على القبور

    admin
    admin
    Admin


    المساهمات : 202
    تاريخ التسجيل : 19/01/2011

    رد شبهة البناء على القبور Empty رد شبهة البناء على القبور

    مُساهمة  admin الأربعاء 19 يناير 2011 - 9:28


    في البناء على القبور

    إعلم أنّ البناء على قبور الإنبياء والعباد المصطفين تعظيمٌ لشعائرالله، وهو من تقوى القلوب، ومن السنن الحسنة.
    حيث إنّه احترامٌ لصاحب القبر، وباعثٌ على زيارته، وعلى عبادة الله عزّ وجلّ ـ بالصلاة والقراءة والذكر وغيرها ـ عنده، وملجأٌ للزائرين والغرباء والمساكين والتالين والمصّلين.
    بل هو إعلاء لشأن الدين.
    * وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» 99 .
    ‎ وقد بني على مراقد الأنبياء قبل ظهور الإسلام وبعده، فلم ينكره النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا أحدٌ من الصحابة والخلفاء، كالقباب المبنيّة على قبر دانيال عليه السلام في شوشتر 100 ، وهود وصالح ويونس وذي الكفل عليهم السلام، والأنبياء في بيت المقدس وما يليها، كالجبل الذي دفن فيه موسى عليه السلام، وبلد الخليل مدفن سيّدنا إبراهيم عليه السلام.

    _________
    99 ورد الحديث باختلاف يسير في: مسند أحمد 4/ 361، سنن ابن ماجة 1/ 74 ـ 75 ح 203 ـ 208 باب من سنّ سنّة حسنة أو سيّئة، مشكل الآثار 1/ 94 و 96 و 481.
    100 هي إحدى مدن مقاطعة خوزستان في إيران، ومعرّبها: تستر؛ انظر معجم البلدان 2/ 29 تستر .
    ---

    بل الحجر المبنيّ على قبر إسماعيل عليه السلام وأُمّه رضي الله عنها.
    بل أوّل من بنى حجرة قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم باللبن ـ بعد أن كانت مقوّمة بجريد النخل ـ عمر بن الخطّاب، على ما نصّ عليه السمهودي في كتاب «الوفا» 101 ثمّ تناوب الخلفاء على تعميرها 102 .
    * وروى البنّائي 103 واعظ أهل الحجاز، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه الحسين، عن أبيه عليّ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: «والله لتقتلنّ في أرض العراق وتدفن بها.
    فقلت: يا رسول الله، ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟
    فقال: يا أباالحسن، إنّ الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعاً من بقاع الجنّة [ وعرصة من عرصاتها ]، وإنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده، تحنّ إليكم [ و تحتمل المذلّة والأذى]، فيعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها تقرّباً [ منهم] إلى الله تعالى، ومودّة منهم لرسوله [ أولئك يا عليّ المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زوّاري غداً في الجنّة].
    يا عليّ، من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس...» إلى آخره 104 .

    _________
    101 وفاء الوفا 2/ 481.
    102 وفاء الوفا 2/ 481 ـ 647.
    103 في المصدر: التبّاني.
    104 فرحة الغريّ: 77، وعنه في بحار الأنوار 100/ 120 ح 22.

    -----------

    ولا يخفى أنّ جعل معمّر قبورهم كالمعين على بناء بيت المقدس، دالّ على أنّ تعظيم مراقدهم تعظيم لشعائر الله سبحانه.
    ونقل نحو ذلك ـ أيضاً ـ في حديثين معتبرين، نقل أحدهما الوزير السعيد بسندٍ، وثانيهما بسند آخر 105 .
    والسيرة القطعية ـ من قاطبة المسلمين ـ المستمرّة، والإجماع، يغنيان عن ذكر الأحاديث الدالّة على الجواز.
    وما أعجب قول المفتين: «أمّا البناء على القبور فممنوع إجماعاً»!
    فإنّ مذهب الوهّابيّة ـ وهم فئة قليلة بالنسبة إلى سائر المسلمين ـ لم يظهر إلاّ قريباً من قرن واحد، ولا يتفوّه أحد من المسلمين ـ سوى الوهّابيّة ـ بحرمة البناء، فأين الإجماع المدّعى؟!
    ودعوى ورود الأحاديث الصحيحة على المنع ـ لو ثبت ـ غير مجدٍ لإثبات الحرمة؛ لأنّ أخبار الاحاد لا تنهض لدفع السيرة والإجماع القطعي، مع أنّ أصل الدعوى ممنوع جدّاً.
    فأنّ مثل رواية جابر: «نهى رسول الله أن تجصّص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ» 106 لا تدلّ على التحريم؛ لعدم حرمة الكتابة على القبور ووطئها، فذلك من أقوى القرائن على أنّ النهي في الرواية غير دالٍّ على الحرمة، ولا نمنع الكراهة في غير قبور مخصوصة.
    مع أنّ الظاهر من قوله: «يبنى عليها» إحداث بناء كالجدار على
    _________
    105 فرحة الغريّ: 78، وعنه في بحار الأنوار 100/ 121 ح 23 و 24.
    106 سنن الترمذي 3/ 368 ح 1052.

    -------

    نفس القبر، فأنّ بناء القبّة وجدرانها بعيدة عن القبر، ليس بناءً على القبر على الحقيقة، وإنّما هو نوع من المجاز، وحمل اللفظ على الحقيقة حيث لا صارف عنها معيّن، مع أنّ النهي عن الوطء يؤكّد هذا المعنى، لا الذي فهموه من الرواية.
    وأمّا الاستدلال على وجوب هدم القباب بحديث أبي الهيّاج، فغير تامٍّ في نفسه ـ مع قطع النظر عن مخالفته للإجماع والسيرة ـ لوجوه:
    * الأَوّل: إنّ الحديث مضطرب المتن والسند.
    فتارة يذكرعن أبي الهيّاج أنّه قال: «قال لي عليُّ» كما في رواية أحمد عن عبدالرحمن 107 .
    وتارة يذكر عن أبي وائل، أنّ عليّاً قال لأبي الهيّاج 108 .
    ورواه عبدالله بن أحمد في «مسند علي» هكذا: «لأبعثنّك فيما بعثني فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنْ أُسوّي كلّ قبر، وأنْ أطمس كلّ صنم» 109 .
    فالاضطراب المزبور يسقطه عن الحجّيّة والاعتبار.
    * الثاني: إنّه من الواضح أنّ المأمور به في الرواية لم يكن هدم جميع قبور العالم، بل الحديث وارد في بعث خاصّ وواقعة مخصوصة، فلعلّ البعث قد كان إلى قبور المشركين لطمس آثار الجاهلية ـ كما يؤيِّده ذكر الصنم ـ أو إلى غيرها ممّا لا نعرف وجه مصلحتها، فكيف يتمسّك بمثل هذه الرواية لقبور الأنبياء والأولياء؟!
    _________
    107 مسند أحمد 1/ 96.
    108 مسند أحمد 1/ 129.
    109 مسند أحمد 1/ 89 و 111.

    -------------
    قال بعض علماء الشيعة من المعاصرين:
    إنّ المقصود من تلك القبور، التي أمر عليّ عليه السلام بتسويتها، ليست هي إلاّ تلك القبور التي كانت تتّخذ قبلةً عند بعض أهل الملل الباطلة، وتقام عليها صور الموتى وتماثيلهم، فيعبدونها من دون الله.
    إلى أن قال:
    وليت شعري لو كان المقصود من القبور ـ التي أمر عليّ عليه السلام بتسويتها ـ هي عامّة القبور على الإطلاق، فأين كان عليه السلام ـ وهو الحاكم المطلق يؤمئذٍ ـ عن قبور الأنبياء التي كانت مشيّدة على عهده‎؟! ولا تزال مشيّدة إلى اليوم في فلسطين وسورية والعراق وإيران، ولو شاء تسويتها لقضى عليها بأقصر وقت.
    فهل ترى أنّ عليّاً عليه السلام يأمر أبا الهيّاج بالحقّ وهو يروغ عنه فلا يفعله؟!
    انتهى ما أردنا نقله منه.
    * الثالث: قال بعض المعاصرين من أهل العلم:
    لا يخفى من اللغة والعرف أنّ تسوية الشيء من دون ذكر القرين المساوي معه، إنّما هو جعل الشيء متساوياً في نفسه، فليس لتسوية القبر في الحديث معنى إلاّ جعله متساوياً في نفسه، وما ذلك إلاّ جعل سطحه متساوياً.
    ولو كان المراد تسوية القبر مع الأرض، لكان الواجب في صحيح الكلام أن يقال: إلاّ سوّيته مع الأرض.
    فإنّ التسوية بين الشيئين المتغايرين لا بُدّ فيها من أن يذكر الشيئان اللذان تراد مساواتهما.
    وهذا ظاهر لكلّ من يعطي الكلام حقّه من النظر، فلا دلالة في الحديث إلاّ على أحد أمرين:
    أوّلهما: تسطيح القبور وجعلها متساوية برفع سنامها، ولا نظر في الحديث إلى علوّها، ولا تشبّث فيه بلفظ المشرف فإنّ الشرف إن ذكرَ أنّه بمعنى العلوّ، فقد ذكر أنّه من البعير سنامه، كما في القاموس وغيره، 110 فيكون معنى المشرف في الحديث هو: القبر ذو السنام، ومعنى تسويته: هدم سنامه.
    وثانيهما: أنّ يكون المراد: القبور التي يجعل لها شرف من جوانب سطحها، والمراد من تسويته أن تهدم شرفه ويجعل مسطّحاً أجمّ، كما في حديث ابن عبّاس: أمرنا أن نبنيّ المدائن شرفاً والمساجد جمّاً 111 .
    وعلى كلّ حال، فلا يمكن في اللغة والاستعمال أن يراد من التسوية في الحديث أن يساوى القبر مع الأرض، بل لا بدً أن يراد منه أحد المعنيين المذكورين.
    وأيضاً: كيف يكون المراد مساواة القبر مع الأرض، مع أنّ سيرة المسلمين المتسلسلة على رفع القبور عن الأرض؟!
    وفي آخر كتاب الجنائز من جامع البخاري، مسنداً عن سفيان التمًار، أنًه رأى قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسنّماً 112 .

    _________
    110 انظر مادّة شرف في: القاموس المحيط 3/ 157، تهذيب اللغة 11/ 341، لسان العرب 9/ 171.
    111 غريب الحديث 4/ 225، الفائق 1/ 234، لسان العرب 9/ 171؛ والجمّ: هي التي لا شرف لها.
    112 صحيح البخاري 2/ 128.

    ---------------
    وأسند أبو داود في كتاب الجنائز عن القاسم، قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمه، اكشفي لي عن قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه؛ فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرّفة ولا لاطئة 113 .
    وأسند ابن جرير، عن الشعبي، أنّ كلّ قبور الشهداء مسنّمة. 114
    انتهى ما أردنا نقله منه.
    وأقول بعد ذلك: لو كان قوله: «مشرفاً» بمعنى عالياً، فليس يعمّ كلّ قبر ارتفع عن الأرض ولو بمقدار قليل، فأنّه لا يصدق عليه القبر العالي، فإنّ العلوّ في كلّ قبر إنّما هو بالإضافة إلى سائر القبور، فلا يبعد أن يكون أمراً بتسوية القبور العالية فوق القدر المتعارف المعهود في ذلك الزمان إلى حدّ المتعارف، وقد أفتى جمع من العلماء بكراهة رفع القبر أزيد من أربع أصابع 115 .
    ولتخصيص الكراهة ـ لو ثبت ـ بغير قبور الأنبياء والمصطفين من الأولياء وجهُ.
    * الرابع: لو سلم أيّ دلالة في الرواية، فلا ربط لها ببناء السقوف والقباب ووجوب هدمها، كما هو واضح.
    وأمّا قول السائل: «وإذا كان البناء في مسبلة ـ كالبقيع ـ وهو مانع ... إلى آخره».
    فقد أجاب بعض المعاصرين عنه بما حاصله:

    _________
    113 سنن أبي داود 3/ 215 ح 3220؛ ولاطئة: أي لازقة بالأرض. انظر: لسان العرب 15/ 247 ـ لطا.
    114 كنز العمّال 15/ 736 ح 42932.
    115 منتهى المطلب 1/ 462.

    --------------
    أنّ أرض البقيع ليست وقفاً، بل هي باقية على إباحتها الأصلية، ولو شككنا في وقفيّتها يكفينا استصحاب إباحتها.
    وأقول: بل وقفيّتها غير مانع عن البناء؛ لأنّها موقفة مقبرةً على جميع الشؤون المرعيّة في المقابر، ومنها: البناء على قبور أشخاص مخصوصين كالأصفياء، فإنّ البناء على القبور ليس أمراً حديثاً، بل كان أمراً متعارفاً من قديم الأيّام.




      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 2:13