1. السلفيه الوهابية خوارج مدينة نجد .
مجاهد منعثر منشد الخفاجي .
قال تعالى :ـ قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً, الّذِينَ ضَلّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً, أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً . 1.
روي ابن عمران رسول الله (ص) قال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا .. قال : قالوا: وفي نجدنا , قال: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان . 2
وعن ابي سعيد الخدري قال:
سمعت رسول الله (ص) يقول :
" يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، يقرؤون القران لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...)) 3.
قال الامام علي بن ابي طالب (ع) : سمعت النبي (ص) يقول:
" ياتي في اخر الزمان قوم حدثاء الاسنان ، سفهاء الاحلام ، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز ايمانهم حناجرهم ، فاينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فان قتلهم اجر لمن قتلهم يوم القيامة)) 4.
وصف الوهابية الشيخ محمد عبده بانهم: (اضيق عطنا واحرج صدرا من المقلدين، فهم يرون وجوب الاخذ بما يفهم من اللفظ الوارد والتقيد به بدون التفات الى ما تقتضيه الاصول التى قام عليها الدين).
وقال ابن تيميه: ان من والى موافقيه وعادى مخالفيه، وفرق جماعه المسلمين، وكفر وفسق مخالفيه فى مسائل الاراء والاجتهادات، واستحل قتالهم، فهو من اهل التفرق والاختلاف.
فالوهابيه اذن وفقا لعقيده ابن تيميه هم من اهل التفرق والاختلاف!! .
الفرقة الوهابية تنتسب الى محمد بن عبد الوهاب بن سليمان النجدى، المولود سنه 1111ه، والمتوفى سنه 1206هـ.
كان مولعا بمطالعه اخبار مدعى النبوه كمسيلمه الكذاب وسجاح والاسود العنسى وطليحه الاسدى، فظهر منه ايام دراسته زيغ وانحراف كبير، مما دعا والده وسائر مشايخه الى تحذير الناس منه، فقالوا فيه: سيضل هذا، ويضل اللّه به من ابعده واشقاه!
ووصفه اخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب، وهو اعرف الناس به، وقد الف كتابا فى ابطال دعوه اخيه واثبات زيفها، ومما جاء فيه عباره موجزه وجامعه فى التعريف بالوهابيه وموسسها، قال فيها: (اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب الى الكتاب والسنه ويستنبط من علومهما ولا يبالى من خالفه، ومن خالفه فهو عنده كافر، هذا وهو لم يكن فيه خصله واحده من خصال اهل الاجتهاد، ولا واللّه ولا عشر واحده، ومع هذا راج كلامه على كثير من الجهال، فانا للّه وانا اليه راجعون.
وفى سنه 1143ه اظهر محمد بن عبد الوهاب الدعوه الى مذهبه الجديد، ولكن وقف بوجهه والده ومشايخه، فابطلوا اقواله، فلم تلق رواجا حتى توفى والده سنه 1153ه فجدد دعوته بين البسطاء والعوام فتابعه حثاله من الناس، فثار عليه اهل بلده وهموا بقتله، ففر الى (العيينه) وهناك تقرب الى امير العيينه وتزوج اخت الامير، ومكث عنده يدعو الى نفسه والى بدعته، فضاق اهل العيينه منه ذرعا فطردوه من بلدتهم، فخرج الى (الدرعيه( شرقى نجد، وهذه البلاد كانت من قبل بلاد مسيلمه الكذاب التى انطلقت منها احزاب الرده. فراجت افكار محمد بن عبد الوهاب فى هذه البلاد و اتبعه اميرها محمد بن سعود، وعامه اهلها.
وكان فى ذلك كله يتصرف وكانه صاحب الاجتهاد المطلق، فهو لا يعبا بقول احد من ائمه الاجتهاد لا من السلف ولا من المعاصرين له، هذا ولم يكن هو على الحقيقه ممن يمت الى الاجتهاد بصله!!
ولقد اثبت المحققون فى تاريخ الوهابيه ان هذه الدعوه قد انشئت فى الاصل بامر مباشر من وزاره المستعمرات البريطانيه5.
ومن الاصول المخفيه للوهابية تمزيق المسلمين واثاره الفتن والحروب فيما بينهم خدمه للمستعمر الغربى. وهذا هو المحور الذى دارت حوله جهود الوهابيه منذ نشاتها وحتى اليوم.. فهو الاصل الحقيقى الذى سخر له الاصل المعلن من اجل اغواء البسطاء وعوام الناس.
يعتقد الوهابيه انهم وحدهم اهل التوحيد الخالص، واما سائر المسلمين فهم مشركون لا حرمه لدمائهم وذراريهم واموالهم، ودارهم دار حرب وشرك!!
ويعتقدون ان المسلم لا تنفعه شهاده ان (لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه) ما دام يعتقد بالتبرك بمسجد الرسول - مثلا - ويقصد زيارته ويطلب الشفاعه منه!
ويقولون ان المسلم الذى يعتقد بهذه الامور فهو مشرك وشركه اشد من شرك اهل الجاهليه من عبده الاوثان والكواكب!
ففى رساله (كشف الشبهات) اطلق محمد بن عبد الوهاب لفظ الشرك والمشركين على عامه المسلمين عدا اتباعه فى نحو 24 موضعا، واطلق عليهم لفظ: الكفار، وعباد الاصنام، والمرتدين، وجاحدى التوحيد، واعداء التوحيد، واعداء اللّه، ومدعى الاسلام فى نحو 20 موضعا. وعلى هذا النحو سار اتباعه فى سائر كتبهم.
لقد نقل ابن حزم الاصل القائل: (انه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله فى اعتقاد او فتيا) ثم عد ائمه السلف القائلين به، الى ان قال: (وهذا هو قول كل من عرفنا له قولا فى هذه المساله من الصحابه، ولا نعلم فيه خلافا).
اما ابن تيميه فقد صرح بانه لم يكفر المسلمين بالذنوب والاجتهادات الا الخوارج.
اذن ليس للوهابيه سلف يقتدون به فى بدعتهم هذه سوى الخوارج!!
اوجه التشابه بين الخوارج والوهابية .
لقد خرج الخوارج في الماضي عن طاعة امير المؤمنين علي (ع) وكفروه وكفرواالمسلمين معه، فكان كل ضحاياهم من المسلمين، ولم يقتلوا يهوديا واحدا ولا نصرانيا ولا كافرا واحدا، بل وجهوا جام حقدهم وقساوتهم ووحشيتهم ضد المسلمين، فقتلوا الرجال والشيوخ والاطفال والنساء حتى بقروا بطون الحوامل من النساء المسلمات... وكان من ضحايا كفرهم وضلالهم اعظم انسان بعد رسول الله (ص)، امير المؤمنين الامام علي (ع) حيث ضرجوه بدمائه الطاهرة وهو ساجد لله في محرابه.وفي العصر الحديث أي منذ ما يقارب القرنين تقريبا عاد الشيطان ليبث قرنه من جديد من المنطقة التي حذر منها رسول الله (ص) الا وهي منطقة نجد تحت اسم " الوهابية " تارة و " السلفية " تارة اخرى ، الذين يقرؤون القران ولكن لا يتجاوز حناجرهم . وكما فعل اسلافهم من الخوارج، فعلوا هم ايضا فكان جل ضحاياهم من المسلمين الموحدين سنة وشيعة... فهم لا يرقبون في مسلم الا ولا ذمة.
وان تباعد الزمان بين الوهابية والخوارج ..الان ان اوجه التشابه واحده وانظر هذا الجدول في التوافق بينهم :ـ
الخوارج الوهابية
شذ الخوارج عن جميع المسلمين فقالوا: ان مرتكب الكبيره كافر. وشذ الوهابيه فكفروا المسلمين على ما عدوه من الذنوب .
حكم الخوارج على دار الاسلام اذا ظهرت فيها الكبائر انها دار حرب، وحل منها ما كان يحل لرسول اللّه(ص) من دار الحرب، اى تهدر دماوهم واموالهم. حكم الوهابيه على دار الاسلام وان كان اهلها من اعبد الناس للّه تعالى واكثرهم صلاحا، اذا كانوا يعتقدون جواز السفر لزياره قبر النبى (ص) ومشاهد الصالحين ويطلبون منهم الشفاعه.
ويلاحظ فى النقطتين معا ان الوهابيه شر من الخوارج فالخوارج نظروا الى امور اجمع المسلمون على انها كبائر بينما ركز الوهابيه على اعمال ليست هى من الذنوب اصلا بل هى من المستحبات التى عمل بها السلف الصالح من الصحابه والتابعين ومن بعدهم بلا خلاف، كما تقدم بينه.
تشابه الوهابيه والخوارج فى التشدد فى الدين والجمود فى الفهم
فالخوارج لما قراوا قوله تعالى (ان الحكم الا للّه) قالوا من اجاز التحكيم فقد اشرك باللّه تعالى، واتخذوا شعارهم (لا حكم الا للّه) كلمه حق يراد بها باطل، فقولهم هذا جمود وجهل كبير، فالتحكيم فى الخصومات ثابت فى القرآن الكريم وفى بداهه العقول وفى السنه النبويه وسيره الرسول والصحابه والتابعين.
وكذلك الوهابيه لما قراوا قوله تعالى: (اياك نعبد واياك نستعين) وقوله تعالى: (من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه) و(لا يشفعون الا لمن ارتضى)، قالوا: ان من قال بجواز طلب الشفاعه من النبى والصالحين فقد اشرك باللّه، ومن قصد زياره النبى وساله الشفاعه فقد عبده واتخذه الها من دون اللّه، فكان شعارهم (لا معبود الا اللّه) و(لا شفاعه الا للّه)، وهى كلمه حق يراد بها باطل، وهى جمود ايضا وجهل كبير، وجواز هذه الامور ثابت فى سيره الصحابه والتابعين كما تقدم.
قال ابن تيميه: (الخوارج اول بدعه ظهرت فى الاسلام فكفر اهلها المسلمين واستحلوا دماءهم) وهكذا كانت بدعه الوهابيه وهى آخر بدعه ظهرت فى الاسلام. الاحاديث الشريفه التى صحت فى الخوارج ومروقهم من الدين، انطبق بعضها على الوهابيه ايضا.. ففى الصحيح عنه(ص) قال: يخرج اناس من قبل المشرق يقراون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه، سيماهم التحليق.
قال القسطلانى فى شرح هذا الحديث: من قبل المشرق: اى من جهه شرق المدينه كنجد وما بعدها.
ونجد هى مهد الوهابيه وموطنها الاول الذى منه ظهرت وانتشرت.. وايضا فان حلق الرووس كان شعارا للوهابيه يامرون به من اتبعهم وحتى النساء. ولم يكن هذا الشعار لاحد من اهل البدع قبلهم، لذا كان بعض العلماء المعاصرين لظهور الوهابيه يقولون: (لا حاجه الى التاليف فى الرد على الوهابيه، بل يكفى فى الرد عليهم قوله(ص): (سيماهم التحليق) فانه لم يفعله احد من المبتدعه غيرهم.
جاء فى الحديث النبوى الشريف فى وصف الخوارج: (يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان). وهذا هو حال الوهابيه تماما، فلم يشننوا حربا الا على اهل القبله، ولم يعرف فى تاريخهم انهم قصدوا اهل الاوثان بحرب او عزموا على ذلك، بل لم يدخل ذلك فى مبادئهم وكتبهم التى امتلات بوجوب قتال اهل القبله!!
ز- روى البخارى عن ابن عمر انه قال فى وصف الخوارج: (انهم انطلقوا الى آيات نزلت فى الكفار، فجعلوها على المومنين) وورد عن ابن عباس انه قال: (لا تكونوا كالخوارج، تاولوا آيات القرآن فى اهل القبله، وانما انزلت فى اهل الكتاب والمشركين، فجهلوا علمها فسفكوا الدماء وانتهبوا الاموال).
وهذا هو شان الوهابيه، انطلقوا الى الايات النازله فى عبده الاوثان فجعلوها على المومنين، بهذا امتلات كتبهم، وعليه قام مذهبهم.
موقف الوهابيه في كربلاء ؟
في 22 نيسان 1802 م هجم الوهابيون بقيادة ملكهم سعود بن عبد العزيز، فجأة على مدينة كربلاء المقدسة واستباحوها قتلا ونهبا وتهديما وسقط على أثر ذلك عدد كبير من القتلى والجرحى من الرجال والنساء والشيوخ والاطفال الذين تواجدوا انذاك في الشوارع والاسواق، ثم هجموا على صحن الامام الحسين " ع " وعلى ضريحه وقتلوا كل من وجدوا أمامهم، ثم نهبوه واضرموا النار فيه، وكان ذلك في احتفال يوم " عيد الغدير " من تلك السنة.
وبعد سنتين من تاريخ الهجوم على كربلاء، هجم الوهابيون على النجف الاشرف ومرقد الامام علي (ع)، غير ان مقاومة اهل المدينة وبسالتهم انقذت مدينتهم وكذلك قبر الامام علي (ع) من التهديم .
وفي عام 1807 غزا الوهابيون كربلاء ثانية غير انهم لم يستطيعوا دخولها لان اهلها كانوا قد حصنوها تحصينا جيدا بعدما اصابهم منهم في الغزوة الاولى.
وفى الوقت الذى كان فيه محمد بن عبد الوهاب يبشر بدعوته الجديده فى نجد، كان رجل آخر يبشر بدعوه اخرى جدد فيها كثيرا مما كان قد اندرس من عقائد .
ذلك الرجل هو (الشيخ احمد الاحسائى المتوفى سنه 1241ه)، وسمى اتباعه (الشيخيه). ولما مات احمد الاحسائى كان خليفته كاظم الرشتى ومقره مدينه كربلاء.
لقد غزت الوهابيه مدينه كربلاء فى الوقت الذى كان يتمركز فيها الشيخيه وزعيمهم كاظم الرشتى، وعلى عادتهم فى سائر حروبهم قتلوا آلاف الرجال والاطفال والنساء ونهبوا الاموال وخربوا البيوت، ولكن فى اثناء ذلك منحوا كاظم الرشتى الامان، وجعلوا بيته آمنا، ومن لجا اليه فهو آمن!! .
انه موقف يكشف عن حقيقه الوهابيه، ويفضح زيف ادعائهم فى اخلاص التوحيد ومحاربه الشرك!
وهنا التفاته الى الوراء.. مع ابن تيميه الذى يزعم الوهابيه انه قدوتهم وامامهم، وموقفه من احدى الفرق الغاليه.. وهى الفرقه اليزيديه التى غلت بيزيد بن معاويه، ومنهم (العدويه) نسبه الى عدى بن مسافر الذى كان قدوتهم اولا ثم غلوا فيه وفى يزيد، وقد عاصر ابن تيميه فتره نمو هذه الفرقه وكان له معهم موقف يثير الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام.
فابن تيميه مشهور بحدته وهجومه على سائر الفرق الاسلاميه ووصفها بالضلال والزيغ والانحراف، فكيف خاطب هولاء الغلاه المشركين؟
لقد كتب اليهم كتابا استهله بكلام عجيب يصفهم فيه بالاسلام والايمان، ويسدى لهم النصح باسلوب اخوى هادى لا تجد منه حرفا واحدا فى كلامه عن الفرق الاسلاميه الاخرى كالاشعريه والشيعه الاماميه والزيديه والمعتزله والمرجئه وغيرهم. فقال:
(من احمد بن تيميه الى من يصل اليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين الى السنه والجماعه، المنتمين الى جماعه الشيخ العارف القدوه ابى البركات عدى ابن مسافر الاموى رحمه اللّه، ومن نحى نحوهم، وفقهم اللّه لسلوك سبيله واعانهم على طاعته وطاعه رسوله... سلام عليكم ورحمه اللّه وبركاته، وبعد...
هكذا جعلهم من المسلمين المنتسبين الى السنه والجماعه مع انهم من الغلاه بلا خلاف، والغلاه مشركون خارجون عن الاسلام باجماع الفرق الاسلاميه، وبمقتضى الكتاب والسنه، لانهم اخلوا بالتوحيد فخرجوا منه الى الشرك!
فهل سيكون فى هذه المواقف عبره؟
2. واليوم يعود احفاد اولئك الوهابيين من جديد لينتهكوا حرمة اهل بيت النبوة وشيعتهم بشنهم هجوما غادرا في الثلاثاء العاشر من محرم 1425 ه. الموافق لتاريخ 2 / 3 / 2004 م..واستمرت الى اربعين الامام الحسين (ع) في عام 2009 , فيقتلون ويجرحون المئات من محبي ال بيت الرسول وشيعتهم ظلما وعدوانا وهم (أي اولئك الوهابيون) يظنون انهم يحسنون صنعا.
ومن احد امور الوهابيه وافتراءهم على ابن تيميةامامهم هو ما نقل ابن تيميه ان الامام احمد قد كتب جزءا فى زياره مشهد الامام الحسين(ع) فى كربلاء، وما ينبغى ان يفعله الزائر هناك، وقال ابن تيميه: ان الناس فى زمن الامام احمد كانوا ينتابونه، اى يقصدون زيارته.
اما فى عقيده الوهابيه فان شد الرحال الى المشاهد وقصد زيارتها من الشرك الذى تهدر معه الدماء والاموال..
وبهذا فقد حكموا بالشرك وهدر الدماء والاموال على الامام احمد ومن عاصره ومن كان قبلهم من السلف الذين كانوا يفعلون ذلك ويستحبونه.
بل لازم قولهم: ان الامه منذ ذلك العصر كلهم مشركون وكفار!! وهذا يتعدى حتى الى الصحابه ايضا.
وعن عقيدتهم بالاستشفاع بالنبى(ص)، فعندهم ان من طلب الشفاعه من النبى(ص) بعد موته فقد اشرك الشرك الاكبر، وقد جعل النبى عندئذ وثنا يعبده من دون اللّه، وعلى هذا اوجبوا هدر دمه وماله.
بينما ثبت فى الصحيح ان كثيرا من اجلاء الصحابه والتابعين كانوا يفعلون ذلك ويستجاب لهم عاجلا، وقد صحح ذلك ابن تيميه ايضا فى كتابه (الزياره 7: 101 - 106) من طرق عديده نقلها بطولها عن البيهقى والطبرانى وابن ابى الدنيا واحمد بن حنبل وابن السنى، رغم انه اصر على خلافها اصرارا على الراى رغم اعترافه بوجود البرهان على خلافه، الا ان ابن تيميه لا يرى ذلك من الشرك الاكبر كما فعلت الوهابيه.
فيكون اولئك الصحابه والتابعون - وفقا لعقيده الوهابيه - من المشركين الذين يجب قتلهم!!
وليس هولاء وحدهم مشركين فى عقيده الوهابيه، بل الاخرون ممن كان يبلغه فعلهم هذا فى استشفاعهم بالنبى(ص) ولا ينكر عليهم ولا يكفرهم، هولاء ايضا محكوم عليهم بهدر الدماء والاموال..
وعقيدتهم في الصحابه .. فقال محمد بن عبد الوهاب موسس الوهابيه ما نصه: ان جماعه من الصحابه كانوا يجاهدون مع الرسول ويصلون معه ويزكون ويصومون ويحجون، ومع ذلك فقد كانوا كفارا بعيدين عن الاسلام!!
ومما يوكد عقيدتهم هذه فى الصحابه مبالغه كتابهم وعلمائهم فى الدفاع عن يزيد بن معاويه والثناء عليه، فى حين لم يعرف التاريخ عدوا للصحابه كيزيد، ولا عرف التاريخ احدا اباح دماء الصحابه واعراضهم كما فعل يزيد فى وقعه الحره بالمدينه المنوره حيث اباحها لجنده ثلاثه ايام يقتلون رجالها وكلهم من الصحابه وابناء الصحابه، ويهتكون الاعراض وهى اعراض الصحابه فافتضوا العذارى من بنات الصحابه حتى انجبت منهن نحو الف عذراء لا يدرى من اولدهن!!
وقبل ذلك كان فعله فى كربلاء فى قتل ثمانيه عشر رجلا من اهل بيت الرسول(ص)، فيهم سبطه وريحانته الحسين، واولاده واولاد اخيه الحسن، ومن معه من اخوته وابناءهم وحتى الرضع منهم.
وبعد ذلك فعله فى مكه المكرمه واحراق الكعبه.. ذلك هو يزيد الذى يثنون عليه.. ومن يدرى لعلهم يثنون عليه لاجل اعماله تلك وفعله ذلك فى الصحابه ونسائهم وذرياتهم؟!
واغرب من ذلك ان يزيد كان لا يقيم الصلاه، وكان يشرب الخمره.. فهم بحكم انتسابهم الى فقه الامام احمد ينبغى ان يفتوا بكفره لاجل هذا وحده.. ولكنهم اثنوا عليه واعتذروا له..
فلاى شىء اثنوا على يزيد مع علمهم بكل ما تقدم من فعله وخصاله، بينما كفروا من استشفع بالرسول او قصد زيارته وان كان من كبار الصحابه والتابعين ومجتهديهم؟
تعريف السلفية .
يقول احمد بن حجر في تعريف مذهب السلف: واما المراد بمذهب السلف هو ما كان عليه الصحابة (رض) وما كان عليه اعيان التابعين لهم باحسان وما كان عليه اتباعهم وائمة الدين ممن شهد له بالامامة، وعرف عظيم شانه في الدين وتلقى الناس لكلامهم خلفا عن سلف . كالائمة الاربعة والسفيانين والليث بن سعد وابن المبارك النخعي، والبخاري ومسلم وسائر اصحاب السنن دون من رمي ببدعة او شهر بلقب غير مرضي مثل الخوارج والروافض والمعتزلة وسائر الفرق الضالة.
وقالوا ان السلفية هي ماورد في حديث رسول الله (ص) الذي ينقلوه عن عبد الله ابن مسعود: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يجئ اقوام تسبق شهادة احدهم يمينه ويمينه شهادته.
ومن هذا الحديث – بغض النظر عن صحته او ضعفه – فخير الناس معاصري رسول لله (ص) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
وهؤلاء اطلقوا عليهم التابعين، والسلف الصالح.
هذا جيل القرن الاول : الذي استباح حرمة المدينة ومكة وقتل اهل البيت (ع).
فهل يعقل ذلك وفيهم معاوية وعمرو بن العاص ويزيد ومروان ابن الحكم وغيرهم من المجرمين ! كيف يكونوا خير الناس وقد كفّر بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا... ؟!
فاذا كان مذهب السلف ما كان عليه الامام مالك فلماذا يرفض المذهب المالكي وينهي السلفيون المعاصرون عن تقليده ؟ !
ولماذ كفّر اسلافهم من " الحنابلة " ...
فيما مضى اتباع المذهب الشافعي، وسبّوا صاحبه وطعنوا في امامته ؟
ووقفوا للشوافعة في الطرقات وترصدوهم وقتلوهم .
ولماذا انهى امام الحنابلة كما يدّعون عن تقليد الشافعي وابو حنيفة ومالك ؟!
واذا كان يقصد بالروافض من رفض خلافة ابي بكر وعمر، فقد رفضها الامام علي والسيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين وابو ذر وسلمان وعمار وسعد بن عبادة الانصاري وغيرهم... وهم من القرن الاول خير القرون كما يقولون ؟.
والواقع ان المقصود عندهم بالسلف الصالح هو من اعتقد بامامة معاوية ويزيد (وبني امية) (عليهم لعنة الله )وقد الّفوا في فضائلهما وتنزيههما الكثير من الكتب.
من هم السلفية:
من هم حقيقة دعاة الانتساب لمذهب السلف او"السلفية" في الماضي والحاضر ؟
وهل لهؤلاء ( (السلفية)) مذهب خاص في الاصول والفروع يميزهم عن باقي الفرق الاسلامية المعروفة ؟
المقصود بالسلفية هم اولئك الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، وكانوا من الحنابلة، وزعموا ان جملة ارائهم تنتهي الى الامام احمد بن حنبل الذي احيى عقيدة السلف، ودافع عنها، ثم تجدد ظهورها في القرن السابع الهجري على يد ابن تيمية الذي احيا هذا المذهب وشدد في الدعوة اليه، واضاف اليه امورا اخرى، ثم ظهرت تلك الاراء في هضبة نجد في القرن الثاني عشر الهجري، احياها محمد بن عبد الوهاب ومازال الوهابيون ينادون بها6.
يتبين من هذا التعريف الذي اورده الشيخ محمد ابو زهرة، بان دعاة السلفية او مذهب السلف هم شريحة من اتباع المذهب الحنبلي وليس جميع اتباع هذا المذهب، لان هذه الفئة التي سمت نفسها ب "السلفية" لها اراء وافكار ومذهب خاص في "الاصول والعقائد"، واحمد بن حنبل يعتبر احد الائمة الاربعة المقلدين في الفقه، وليس له في العقائد او الاصول مذهب خاص به.
لذلك كان اغلب مقلدي هؤلاء الائمة الاربعة واحمد بن حنبل منهم، ينتمون عقائديا الى المذهب الكلامي الممثل بشقيه "الاشعري" و " الماتريدي " مذهب "اهل السنة والجماعة" في الاصول.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كان جل الحنابلة في الاصول على عقيدة مذاهب اهل السنة والجماعة من اشاعرة وماتريدية ؟
الجواب بالنفي ....
فقد كان الحنابلة دون باقي المذاهب الفقهية الاخرى، موزعين على عقائد شتى ومذاهب اصولية مختلفة، فمنهم من كان اشعريا، ومنهم من كان صوفيا، يؤمن بعقائد وحدة الوجود وغيرها من عقائد الصوفية، ومنهم مفوضية يتبعون بعض السلف في عقائدهم وارائهم . ومنهم وهم الاغلبية كانوا – كما اجمعت عليه كتب الحديث يعتقدون بالتشبيه والتجسيم والقول بالجبر وغيرها من الاراء والمعتقدات، التي تجنّد المعتزلة اولا لمحاربتها، ثم تصدّى فيما بعد "اهل السنة والجماعة" . من علماء الكلام، الاشاعرة والماتريدية وهم ممن يذهب مذاهب التنزيه .
وقد اشتهر ابن تيمية بالتشبيه والتجسيم وكان يذهب مذاهب الحشوية في العقائد، وقد تبعه في ذلك فيما بعد تلميذ مدرسته الشهير أي محمد بن عبد الوهاب، ولذا نرى بان "الحشوية هي حنبلية المنشا".
ان من يقرا كتب رجالات السلفية المعاصرين، في الاصول والفروع ، وما يدعون اليه ، سيجد بان الدعوة " الحشوية الحنبلية " قد قامت من رقادها الطويل مستعيرة لقب "السلفية" للتضليل والتمويه على عامة الناس عموما وبناء الصحوة الاسلامية خصوصا .
وقد تنبه لذلك طائفة من علماء اهل السنة ، فبادروا الى فضح هذه الطائفة السلفية وحذّروا الناس من اتّباعها ، ومن هؤلاء العلماء السنة ابن خليفة عليوي وهو عالم ازهري الذي يقول:
" لقد ظهرت في بلادنا الشامية طائفة تدعو الى " السلفية " ونهجها اعتناق العقيدة " الحشوية الحنبلية " وتبديع اهل السنة والجماعة، ويضيف:
" ولنحذر جميعا من وساوس الشياطين ان تزين لنا نزعات الضالين من اليهود والنصارى المجسمين الذين اتّبعهم في ذلك "الحشوية الحنبلية" ، فقد اصيب بهم المسلمون باكبر بلية , تركوا العقل والنظر واخذوا بظاهر الخبر, ولا مستند لهم من شرع سيد البشر محمد عليه افضل الصلاة والسلام . فليت شعري كيف يدّعون " السلفية" ويزعمون انهم يدعون الى التوحيد الخالص والاعمال الصالحات، وهم مجسمون ومتمسكون باذناب الضلالات !! فاخلق بهم ان لو ياخذوا بعقيدة اهل السنة والجماعة لرشدوا الى طريق الاسلام . ابن خليفة عليوي، هذه عقيدة والخلف في ذات الله سبحانه وتعالى، دمشق 1979، ص5. ان السلفية الوهابية اليوم ، والتي تتخذ من ارض الجزيرة والحرمين الشريفين منطلقا لها ولدعوتها، هي في حقيقة الامر، بعث لعقائد فرقة " الحشوية الحنبلية" التي عرفت في التاريخ بهذا الاسم.
التجسيم الحشوية والمذهب الحشوي
لقب تحقير اطلق على اولئك الفريق من اصحاب الحديث الذين اعتقدوا بصحة الاحاديث المسرفة في التجسيم من غير نقد ، بل فضلوها على غيرها واخذوا بظاهر لفظها .
كان لمنع عمر بن الخطاب الخليفة الثاني لتدوين احاديث رسول الله (ص) نتائج وخيمة على مستقبل العالم الاسلامي وفكره وثقافته . وبعد زمن عمر انتشر الرواة في الافاق يبحثون عن الصحابة ومن عاصرهم ، لاخذ الحديث عنهم .
وكان من بين هؤلاء عدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى ، اظهروا الاسلام في عهد الخلفاء الثلاثة الاوائل ، ثم اخذوا بعد شهادة الامام علي (ع) في بث ما عندهم من الاساطير، بين من تروج عليهم ممن لم يتهذب بالعلم من اعراب الرواة وبسطاء مواليهم . فتلقفوها منهم ورددها الاخرون بسلامة قلب ، معتقدين ما في اخبارهم في جانب الله من التجسيم والتشبيه ، ومستأنسين بما كانوا عليه من الاعتقاد في جاهليتهم ، وقد يرفعونها افتراء الى الرسول (ص) او خطاء ، فأخذ التشبيه يتسرب الى معتقدات الطوائف ويشيع شيوع النار في الهشيم . وهنا نشا الحشو، وترعرع ونما ، حيث تم ادخال الكثيرمن عقائد اهل الكتاب خاصة الى الاسلام عن طريق الحديث النبوي، وتلقفها بسطاء الرواة وغيرهم على انها عقائد الاسلام جاءت على لسان الرسول محمد (ص) .
واذا عرفنا هذه الحركة كانت ملازمة لظهور الفتن السياسية في المجتمع الاسلامي الناشئ ، وانتصار الامويين في نهاية المطاف ، وتسلمهم لسدة الحكم . يتبين لنا مدى انتشار هذه الظاهرة وتغلغلها في تفكير المسلمين انذاك . وملوك بني امية بدءا من معاوية بن ابي سفيان والى اخرهم. الا ما كان من فعل عمر بن عبد العزيز الذي امر بتدوين السنة واوقف لعن الامام علي على المنابر وارجع فدك ((نحلة فاطمة)) الى بنيها.
لم يولوا أي اهتمام للدفاع عن عقائد الاسلام ، او محاولة الوقوف امام خصومها من يهود ونصارى ، فما كان يهم بني امية هو الجانب السياسي ، وتثبيت الملك العضوض باي وسيلة ، بل كان فسح المجال لاحبار اليهود والنصارى وغيرهم من دعاة الملل والنحل السالفة ، احدى الوسائل التي ركبها ملوك بني امية لتوطيد ملكهم . فتزعموا القول بالجبر وشجعوا الاعراب من الرواة على التحديث بذلك ، فاختلق هؤلاء من الاحاديث والروايات التي ينسبوها للرسول (ص) الكثير. لتكون فيما بعد معتمد الحشوية من اهل الحديث والحنابلة .
وللدعوة الى هذه النحلة وترسيخها كعقيدة اسلامية جعلت الحبر النصراني يوحنا الدمشقي الذي عاش في قصور الامويين وخدمهم ، يقول بان الاسلام ليس الا العقيدة الجبرية .
اما التشبيه والتجسيم فقد اطلق ملوك بني امية العنان – ومن قبلهم الخليفتان عمر وعثمان – لهؤلاء المتاسلمة من اهل الكتاب . فنقلوا ونشروا ما في التوراة والانجيل من عقائد الى المسلمين، سواء كاحاديث مستقلة منسوبة للرسول (ص) ، او كشروح لايات الذكر الحكيم . وقد كان كعب الاحبار يقول ابن كثير: ((اسلم كعب في الدولة العمرية وجعل يحدث عمر عن كتبه قديما، فربما استمع له عمر، فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عثها وسمينها. وليس لهذه الأمة ـ والله اعلم ـ حاجة الى حرف واحد مما عنده))7.
وهو من يهود اليمن يقرا التوراة في مسجد الخليفة رسول الله (ص) على عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، ولم يتعرض لاي نهي ! في الوقت الذي كان الخليفة نفسه ينهي الصحابة عن الرواية عن رسول الله (ص) ، ويتوعدهم العقاب ان هم حدثوا او اكثروا الرواية عنه (ص). وتبعه وهب بن منبه وكان عالما بالتوارة فجلس يحدث في المدينة وغيرها من حواضر الاسلام بما يجده في كتب الاولين ، فنقل عنه المسلمون الكثير من الاحاديث والروايات في تفسير قصص الانبياء وتواريخهم من لدن ادم (ع) والى خاتم الرسل (ص) .
ودخلت مع تلك التفاسير والشروح عقائد اهل الكتاب المحرفة وكثر تداولها وتناقلها بين الرواة. ويرى الشيخ الكوثري انهم سموا لاجل هذا " الحشوية " , وان الى هؤلاء ينسب اصناف المشبهة والمجسمة.8.
لقد ظلت عقائد التجسيم والتشبيه متناثرة هنا وهناك ، في اقوال المحدثين ورواياتهم حتى ظهر مقاتل بن سليمان (المتوفي سنة 150 ه) وهو احد كبار المفسرين ، الذي ملا تفسيره حشوا من الاسرائيليات.
لذلك فقد اجمعت المصادر كما يقول الدكتور علي سامي النشار على كونه مشبها ومجسما ، وانه اخذ من علم اليهود والنصارى ما يوافقه لتدعيم تفسيره المشبهي المجسمي ...
يقول ابن حيان:
كان يأخذ من اليهود والنصارى ومن علم القرآن الذي يوافقه وكان يكذب في الحديث . فتاثر الرجل باليهود والمزدكية ظاهرا9 .
وجاء بعده مجاهد بن جبر المحدث ، ونشر حديث (المقام المحمود) عن مجاهد ((عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا)) قال: يجلسه او يقعده على العرش، يقول الذهبي لهذا القول طرق خمسة، واخرجه ابن جرير في تفسيره، وعمل فيه المروزي مصنفا10.
الذي قام سلف الحشوية الحنبلية " بمعارك طاحنة لاجل اثباته ، في كل من بغداد ودمشق والقاهرة ، حيث ابوا الا ان يجلسوا النبي (ص) مع ربه على العرش سبحانه وتعالى عما يصفون .
لقد كانت الفرقة الكرامية (نسبة الى مؤسسها محمد بن كرام / ت 255ه) مجسمة غالى صاحبها في اثبات العرشية والفوقية . واكد على ان الله جسم ، لكن ليس كالاجسام ، انه مستقر على العرش ومما له ، كما قال الكرامية بقيام الحوادث بذات الله .
وجاءت باراء ومعتقدات خالفت فيها الفرق الاسلامية جميعا وعلى راسهم اهل السنة والجماعة. الا ان لهم رايا مميزا يخص النبوة والرسول والمرسل . وقد قام الدكتور النشار بتخريج لطيف له، يربط بينه وبين عقيدة السلفية المعاصرة في موقفها من الرسول (ص) وقبره وشد الرحال اليه. لقد ذهبت الكرامية الى ان النبوة والرسالة عرضان حالان في النبي والرسول ، منفصلتان تمام الانفصال عن الوحي اليه ، وعند ظهور المعجزات على يديه ، وعن عصمته عن الخطا والمعصية ، فمن فعل الله فيه تلك الصفة وجب على الله تعالى ارساله...
وتضع الكرامية تمييزا بين الرسول والمرسل ، فالرسول من حصل فيه " ذلك المعنى " وانه يجب على الله ان يرسله الى الناس رسولا بهذا المعنى ، فاذا ارسل يكون مرسلا ولم يكن قبله من المرسلين بل رسولا فقط، ولهذا يقولون " ان النبي (ص) في قبره رسول وليس بمرسل .... وقد عارض اهل السنة والجماعة هذا التمييز الدقيق بين الرسول والمرسل ، وقرروا ان الرسول (ص) في قبره رسول ومرسل...
ولكن ما هو السر الحقيقي في هذا التمييز عند الكرامية ؟
اما التفسير الذي اراه اقرب الى الحقيقة – يقول النشار- فهو ان الكرامية كانت ترمي الى غرض بعيد، وهو عدم اسباغ القداسة على الرسول في قبره، وعدم شد الرحال اليه ، مخالفة في هذا رأي اهل السنة والجماعة، فقررت الكرامية ان النبوة والرسالة كانتا عرضين او معنيين القاهما الله فيه ازلا، ثم ادى رسالته بمفهوم المرسل عند الكرامية ، ثم انتهى عمله هو... انتهى الرسول والمرسل والرسالة باقية ، فلا اسباغ للقداسة عليه . ويتضح هذا من موقف خلف الكرامية من حقيقة الرسول ووقوفهم امام قبره ، فهم ان تصادف وقوفهم امامه يسلمون عليه ويقولون: " لقد اديت الرسالة "، ومن عدم اعتبار زيارة الرسول فرضا او نفلا... ان الغرض فقط هو حج الكعبة المقدسة ، والنفل هو العمرة ، ان الكلام كما نعلم اوثق اتصال بالفقه, اثرت الكرامية في سلف المتاخرين، ونادى ابن تيمية بما نادى به الكرامية . واحتضن الحنابلة المتاخرون هذه الاراء، وظهرت على اقوى صورة لدى الوهابيين بعد واصبحت جزءا من عقائدهم11.
لقد عاشت الكرامية بعد موت مؤسسها، ثم تلقى المذهب عالم من اكبر علماء السلف وصوفي من ارق الصوفية، هو الهروي الانصاري ثم احتضنها سلفي متاخر ومفكر من اكبر مفكري السلفية وهو " تقي الدين بن تيمية " او بمعنى ادق سار الحشو في طريقه يدعم فكرة التشبيه والتجسيم ويجتذب اليه مجموعة من اذكى رجالات الفكر الاسلامي12.
وان كان ابن تيمية سيتجه بهذا الحشو اتجاها نحو عقلنته بجمع متناقضاته وارائه المختلفة المشارب والاتجاهات وصبها في قالب، قال عنه انه مذهب اهل الحق من السلف والخلف . وتبعه في ذلك تلميذه ابن قيم الجوزية ، وحمل راية الدعوة الى ذلك بالسيف محمد بن عبد الوهاب النجدي الحنبلي واتباعه ، حيث السعي الجاد اليوم لنشر هذه المعتقدات والاراء في العالم الاسلامي ومحاربة غيرها . لقد كانت البذرة الاولى للتشبيه اما وافدة على البيئة الاسلامية ضمن مؤامرة على عقيدة التوحيد الخالص، او وليدة هذه البيئة نفسها، نتيجة سوء الفهم لبعض النصوص الاسلامية ، لذلك فالحشو والتشبيه وما ينتهيان اليه من تجسيم ، قد نبتا في صفوف المسلمين وصار لهما ممثلون بين الفرق المختلفة ، فهناك حشوية بين اهل السنة وبين غلاة الشيعة، يظهرون في عصور مختلفة.
وهناك " حشوية ومشبهة " تنتمي الى الحنابلة وان تبرأ منها محققوا الحنابلة انفسهم. مدخل الى علم الكلام، ص77، مثل ابن الجوزية الذي ذم اصحابه الحنابلة لاعتقادهم الحشو والتشبيه والتجسيم.
وهؤلاء هم الذين يطلقون على انفسهم اليوم اسم " السلفية " وهم في الحقيقة " حشوية الحنابلة ". ونسبتهم للحنابلة لانهم يدّعون انهم على ما كان عليه الامام احمد بن حنبل في الاصول والفروع .
من الملاحظ اذا اننا انتهينا الى حقيقة مفادها، ان فرقة " السلفية المعاصرة " اليوم هي تيار حشوي له جذور عميقة في التاريخ الفكري للحشو وعقائده , وانه مذهب انتقائي تكاد ترجع اغلب ارائه في العقائد الى الاسرائيليات، التي حشا بها الرواة من الاعراب ومتاسلمة اليهود والنصارى احاديث الرسول (ص).
على ان مصطلح " الحشوية الحنبلية " ليس من مبتكرات خصوم " السلفية " اليوم ، وانما ورد في كثير من كتب التاريخ وكان يقصد به سلف " السلفية الوهابية المعاصرة ".
فقد ذكر ابن عساكر في كتابه " تبيين كذب المفتري عن الامام ابي الحسن الاشعري " قوله :
" وفي منتصف القرن الخامس استفحل امر هؤلاء الحشوية ببغداد حتى (اخطر) امثال ابي اسحاق الشيرازي وابي بكر الشاشي وغيرهما من ائمة الشافعية ان يكتبوا محضرا عليه خطوطهم ورفعوه الى نظام الملك ، ومن جملة ما فيه :
" ان جماعة الحشوية والاوباش الرعاع المتسمين بالحنبلية اظهروا ببغداد من البدع الفظيعة والمخازي الشنيعة ما لم يتسمع به ملحد فضلا عن موحدهذه عقيدة السلف، ص89، انظر دفع شبه التشبيه والرد على المجسمة ممن ينتحل مذهب الامام احمد، لابي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي، المتوفي سنة 597
والبدع الفظيعة التي ذكرها النص ليست سوى قولهم واعتقادهم مذاهب التشبيه والتجسيم ، مما اخذ عن اهل الكتاب من يهود ونصارى وغيرهم .
يرى الدكتور مصطفى الشكعة ان الامام ابا الحسن الاشعري قد استطاع ان يصدر احكاما في قضايا العقائد في جو من الاعتدال والصفاء بعيدا عن التهور والاندفاع ، بالرغم من ان بعض الفقهاء ارتابوا في عقيدته وان " الحنابلة " رموه بالكفر، فان ذلك لم ينهض دليلا على زيغهالدكتور مصطفى الشكعة، اسلام بلا مذاهب، الدار المصرية للطباعة والنشر بيروت، ص462.
بل نصره كبار العلماء كابي بكر الباقلاني وامام الحرمين الجويني والاسفرائيني وغيرهم من الاعلام الذين تبنوا افكاره بعد موته .
وقد سمى هؤلاء الاعلام راي الاشعري بمذهب اهل السنة والجماعة13.
ويعزز ابن خلدون المؤرخ هذا الراي كذلك، حينما يعلق بان منهج الاشعري توسط بين الطرق .
وقد ذهب الدكتور الشكعة وغيره من المؤرخين الى ان اول من لقب " باهل السنة " هم الاشاعرة ، حيث اصبح المذهب الذي خرج به استاذهم هو بالذات14.
وبعد ظهور ابو منصور الماتريدي وتصنيفه في العقائد " قرر الكثير من علماء المذهب الحنفي ان النتائج التي وصل اليها تتفق تمام الاتفاق مع ما قرره ابو حنيفة في العقائد , كما قرروا ان اراء ابي حنيفة في العقائد هي الاصل الذي تفرعت منه اراء الماتريدي ".
وقد خالف الماتريدي اصحاب الحديث جميعا لانه اعتمد على العقل بارشاد الشرع ، كما اوجب النظر العقلي . ولذلك اعتبر هذان المذهبان في العقائد والاصول هما " مذهب اهل السنة الكلامي : في مقابل المعتزلة وحشوية الحنابلة . لقد سلكت مدرسة الاشعري والماتريدي – كما يقول المؤرخون من اهل السنة – سبيل التوسط والتوفيق بين الاشاعرة والمعتزلة ، ينتصرون لاهل الحديث حينا .
عقيده الوهابيه فى الصفات هى من صنف عقائد التجسيم
فهم ينسبون الى اللّه تعالى الاعضاء على الحقيقه: كاليد، والرجل، والعين، والوجه.. ثم يصفونه تعالى شانه بالجلوس والحركه والانتقال والنزول والصعود، على الحقيقه كما يفهم من ظاهر اللفظ.. تعالى اللّه عما يصفون.
وهذه العقيده قلدوا فيها ابن تيميه.. وهى فى الاصل عقيده الحشويه من اصحاب الحديث الذين لا معرفه لهم بالفقه والثابت من اصول الدين، فيجرون وراء ما
1. حديث: كل أمر ذي بال لايبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع . وفي رواية: بحمد الله ، وفي رواية: بالحمد ، وفي رواية: فهو أجذم ، 25. وقال: رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن النبي(ص) مرسلاً . يشير إلى أن الصحيح فيه مرسل . وهو الذي جزم به الدارقطني كما نقله السبكى ، وهو الصواب ، لأن هؤلاء الذين أرسلوه أكثر وأوثق من قرة ، وهو ابن عبد الرحمن المعافري المصري ، بل إن هذا فيه ضعف من قبل حفظه ، ولذلك لم يحتج به مسلم ، وإنما أخرج له في الشواهد . وقال ابن معين: ضعيف الحديث . وقال أبو زرعة: الأحاديث التي يرويها مناكير . وقال أبو حاتم ، والنسائي: ليس بقوي ........وقد رواه أحد الضعفاء الآخرين عن الزهري بسند آخر ، أخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن يزيد ، حدثنا صدقة بن عبد الله ، عن محمد بن الوليد الزبيدي ، عن الزهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه مرفوعاً .قلت: وهذا سند ضعيف ، صدقة هذا ضعيف ، كما قال الحافظ في التقريب ، وقد خالف قرة إسناده كما ترى ، فلا يصح أن تجعل هذه المخالفة سنداً في تقوية الحديث ......
وجملة القول أن الحديث ضعيف لاضطراب الرواة فيه على الزهري ، وكل من رواه عنه موصولاً ضعيف ، أو السند إليه ضعيف...الخ). انتهى
ومادام هذا الحديث ضعيفاً عندهم ، وحديث ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، أقطع ) صحيحاً أو حسناً.. فخطبهم تكون بتراء ! .
من بدع الوهابية التي يحكمون غيرهم بها ولايطبقونها على انفسهم .
اليس هم اولى بتطبيق فتاواهم التكفيرية على أنفسهم ! قبل تكفير وتضليل أي مسلم سواهم. ومن بدعهم وخرافاتهم اعتراف ابن تيمية بوجود كثير من الغلوّ والشرك والبدع عند) المنتسبين )لأهل السنة حسب لفظه ، وهذا مؤيد لما سنذكره من ظهور البدع في جنازته مباشرةً .
قال ابن تيمية 20 : فإن قيل : ما وصفت به الرافضة من الغلوّ والشرك والبدع موجود كثير منه في كثير من المنتسبين إلى السنّة ، فإن في كثير منهم غلواً في مشايخهم وإشراكاً بهم وابتداعاً لعبادات غير مشروعة ، وكثير منهم يقصد قبر من يحسن الظنّ به إمّا ليسأله حاجاته ، وإمّا ليسأل الله به حاجةً ، وإمّا لظنّه أن الدعاء عند قبره أجوب منه في المساجد ، ومنهم من يفضّل زيارة قبور شيوخهم على الحج ، ومنهم من يجد عند قبر من يعظّمه من الرقة والخشوع ما لا يجده في المساجد والبيوت ، وغير ذلك مما يوجد في الشيعة . ويروون أحاديث مكذوبة من جنس أكاذيب الرافضة ...
قيل : هذا كلّه ممّا نهى الله عنه ورسوله ، وكلّ ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه !! .
وعلى هذا فإن ما يكفر به الشيعة وغيرهم هو موجود بنفس نوعيته في بيئة ابن تيمية ، وحينما تعلّق الأمر بالسنة المحيطين به خفف حكمه إلى « مذموم منهي عنه » فقط ، ولعله فعل ذلك تقيـة !! .
والعجب أنه تعرّض أيضاً لزيارة قبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم )وموهناً للمسلمين عن زيارة قبره الشريف ، فقال في كتابه منهاج السنة ج2 ص 441 : والأحاديث المأثورة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في زيارة قبره ، كلّها ضعيفة بل موضوعة.
وهذا يقتضي أن أولئك السلفيةالوهابية الذين زاروا قبر ابن تيمية وترددوا عليه أياماً متعددة ليلاً ونهاراً وصلوا عليه لا بد أنهم يعتقدون بأفضليته على رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) ، إذ زيارة قبر الرسول لا تجوز لديهم إلا بعنوان زيارة المسجد في الوقت الذي يأنسون بزيارة قبر شيخهم .
ولنوثق مدى بدعة الوهابية الذين شهدوا الجنازة من علماء وعوام ، ونساء ورجال ، وأطفال وكبار ، ومن تبعهم من بإحسان وأقر صنيعهم بعد الإمعان ، ولم يبس بكلمة من اللسان ، في إدانة من يجب أن يدان !!
واليكم التوثيق من خلال خمس شخصيات هامة لها وقع جيد عند السلفية ، وهم الإمام ابن كثير ، وابن العماد الحنبلي ، وابن الوردي ، والإمام الذهبي ، والحافظ عمر البزار فهم من المتعاطفين مع شيخ الإسلام المبتدع الهمام ابن تيمية :
أولاً : الإمام ابن كثير ، في كاتبه « البداية والنهاية » ، الجزء الرابع عشر ، ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، وفاة شيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (( مختصراً ))
وجلس جماعة عنده قبل الغسل وقرؤا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله !! ..
ثم انصرفوا ثم حضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك !! ..
ثم انصرفن واقتصروا على من يغسله فلما فرغ من غسله اخرج ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع وامتلأ الجامع أيضا ! وصحنه والكلاسة وباب البريد وباب الساعات إلى باب اللبادين والغوارة وحضرت الجنازة في الساعة الرابعة من النهار أو نحو ذلك ووضعت في الجامع والجند قد احتاطوا بها يحفظونها من الناس من شدة الزحام ..
وصلى عليه أولا بالقلعة تقدم في الصلاة عليه أولا الشيخ محمد بن تمام ثم صلى عليه بالجامع الأموي عقيب صلاة الظهر !! ..
وقد تضاعف اجتماع الناس على ما تقدم ذكره ثم تزايد الجمع إلى أن ضاقت الرحاب والأزقة والأسواق بأهلها ومن فيها ثم حمل بعد أن صلى عليه على الرؤوس والأصابع وخرج النعش به من باب البريد ..
واشتد الزحام وعلت الأصوات بالبكاء والنحيب !! ..
وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائهم وثيابهم وذهبت النعال من أرجل الناس وقباقيبهم !! ..
وعظم الأمر بسوق الخيل وتضاعف الخلق وكثر الناس ووضعت الجنازة هناك وتقدم للصلاة عليه هناك أخوه زين الدين عبد الرحمن !! ..
فلما قضيت الصلاة حمل إلى مقبرة الصوفية !! فدفن إلى جانب أخيه ..
وأغلق الناس حوانيتهم ولم يتخلف عن الحضور إلا من هو عاجز عن الحضور !! ..
وحضر نساء كثيرات بحيث حزرن بخمسة عشر ألف امرأة !! ..
غير اللاتي كن على الأسطحة وغيرهن الجميع يترحمن ويبكين !! عليه فيما قيل ..
وأما الرجال فحزروا بستين ألفاً إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مائتي ألف
وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله !! ..
واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به !! ..
ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهما !! ..
وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما !! ..
وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير !!
وتردد الناس إلى قبره أياما كثيرة ليلاً ونهاراً يبيتون عنده ويصبحون !!..
ورثاه جماعة بقصائد جمة ... فاجتمع عند الشيخ في قاعته خلق من أخصاء أصحابه من الدولة وغيرهم من أهل البلد والصالحية فجلسوا عنده يبكون ويثنون (( على مثل ليلى يقتل المرء نفسه((!! .
وكنت فيمن حضر هناك مع شيخنا الحافظ ابي الحجاج المزي رحمه الله وكشفت عن وجه الشيخ ونظرت إليه وقبلته وعلى رأسه !! ..
ثم شرعوا في غسل الشيخ وخرجت إلى مسجد هناك ولم يدعوا عنده إلا من ساعد في غسله منهم شخينا الحافظ المزي وجماعة من كبار الصالحين الأخيار أهل العلم والإيمان !! ..
فما فرغ منه حتى امتلأت القلعة وضج الناس بالبكاء !! ..
فصرخ صارخ وصاح صائح هكذا تكون جنائز أئمة السنة !!! ..
فتباكى الناس وضجوا عند سماع هذا الصارخ ..
والنساء فوق الأسطحة من هناك إلى المقبرة يبكين ويدعين ويقلن هذا العالم !! ..
وما علمت أحدا من أهل العلم إلا النفر اليسير تخلف عن الحضور في جنازته !! وهم ثلاثة أنفس وهم ابن جملة والصدر والقفجاري ، وهؤلاء كانوا قد اشتهروا بمعاداته فاختفوا من الناس خوفاً على أنفسهم !! ..
بحيث إنهم علموا متى خرجوا قتلوا وأهلكهم الناس !! ..
وتردد شيخنا الإمام العلامة برهان الدين الفزاري إلى قبره في الأيام الثلاثة !! .. وكذلك جماعة من علماء الشافعية ... »
ثانياً : ويمكن أيضاً مراجعة كتاب « شذرات الذهب في أخبار من ذهب » لابن العماد الحنبلي ، ج 6 ص 80 ، أحداث سنة ثمان وعشرين وسبعمائة .. ففيه مختصر لما ورد في البداية والنهاية ..
ثالثاً : ويذكر القنوجي بعض ما حصل حول الجنازة في كتابه 30، الحنبلي :« قال ابن الوردي : وفيها ، أي : سنة 723، ليلة الإثنين والعشرين من ذي القعد ، توفي شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه - معتقلا بقلعة دمشق ، وغسل ، وكفن ، وأُخرج ..
وصلى عليه أولاً : بالقلعة الشيخ محمد بن تمام ، ثم : بجامع دمق !! بعد الظهر، من باب الفرج واشتد الزحام في سوق الخيل ، وتقدم عليه (3/ 135) في الصلاة هناك أخوه ..
وألقى الناس عليه مناديلهم وعمائمهم للتبرك !! ..
وتراصّ الناس تحت نعشه، وحضرت النساء خمسة عشر ألفا !! ..
وأما الرجال فقيل : كانوا مائتي ألف ، وكثر البكاء عليه !! ..
وختمت له ختم عديدة ، وتردد الناس إلى زيارة قبره أياما !! » ..
رابعاً : الإمام الذهبي : فلقد كشف لنا جانب آخر من البدع السلفية من حيث تعظيمهم للقبور وتصنيف أهميتها ، فانظروا إلى قوله بترجمة معروف الكرخي في كتابه:
وعن إبراهيم الحربي قال : قبر معروف الترياق المجرّب . يريد إجابة دعاء المضطرّ عنده ، لان البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء ... .
وقوله بترجمة غير واحد مثلاً ج 18 ص 101 : « كان يتبرّك بقبره » ، وكذلك ج 19 ص 53 : « قبره مشهور يزار ويدعى عنده » ، وج 20 ص 96 : قبره يقصد للزيارة..
ويكفينا هنا قول الذهبي وقد ملّ أسلوب أستاذه ف
مجاهد منعثر منشد الخفاجي .
قال تعالى :ـ قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً, الّذِينَ ضَلّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً, أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً . 1.
روي ابن عمران رسول الله (ص) قال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا .. قال : قالوا: وفي نجدنا , قال: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان . 2
وعن ابي سعيد الخدري قال:
سمعت رسول الله (ص) يقول :
" يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، يقرؤون القران لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...)) 3.
قال الامام علي بن ابي طالب (ع) : سمعت النبي (ص) يقول:
" ياتي في اخر الزمان قوم حدثاء الاسنان ، سفهاء الاحلام ، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز ايمانهم حناجرهم ، فاينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فان قتلهم اجر لمن قتلهم يوم القيامة)) 4.
وصف الوهابية الشيخ محمد عبده بانهم: (اضيق عطنا واحرج صدرا من المقلدين، فهم يرون وجوب الاخذ بما يفهم من اللفظ الوارد والتقيد به بدون التفات الى ما تقتضيه الاصول التى قام عليها الدين).
وقال ابن تيميه: ان من والى موافقيه وعادى مخالفيه، وفرق جماعه المسلمين، وكفر وفسق مخالفيه فى مسائل الاراء والاجتهادات، واستحل قتالهم، فهو من اهل التفرق والاختلاف.
فالوهابيه اذن وفقا لعقيده ابن تيميه هم من اهل التفرق والاختلاف!! .
الفرقة الوهابية تنتسب الى محمد بن عبد الوهاب بن سليمان النجدى، المولود سنه 1111ه، والمتوفى سنه 1206هـ.
كان مولعا بمطالعه اخبار مدعى النبوه كمسيلمه الكذاب وسجاح والاسود العنسى وطليحه الاسدى، فظهر منه ايام دراسته زيغ وانحراف كبير، مما دعا والده وسائر مشايخه الى تحذير الناس منه، فقالوا فيه: سيضل هذا، ويضل اللّه به من ابعده واشقاه!
ووصفه اخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب، وهو اعرف الناس به، وقد الف كتابا فى ابطال دعوه اخيه واثبات زيفها، ومما جاء فيه عباره موجزه وجامعه فى التعريف بالوهابيه وموسسها، قال فيها: (اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب الى الكتاب والسنه ويستنبط من علومهما ولا يبالى من خالفه، ومن خالفه فهو عنده كافر، هذا وهو لم يكن فيه خصله واحده من خصال اهل الاجتهاد، ولا واللّه ولا عشر واحده، ومع هذا راج كلامه على كثير من الجهال، فانا للّه وانا اليه راجعون.
وفى سنه 1143ه اظهر محمد بن عبد الوهاب الدعوه الى مذهبه الجديد، ولكن وقف بوجهه والده ومشايخه، فابطلوا اقواله، فلم تلق رواجا حتى توفى والده سنه 1153ه فجدد دعوته بين البسطاء والعوام فتابعه حثاله من الناس، فثار عليه اهل بلده وهموا بقتله، ففر الى (العيينه) وهناك تقرب الى امير العيينه وتزوج اخت الامير، ومكث عنده يدعو الى نفسه والى بدعته، فضاق اهل العيينه منه ذرعا فطردوه من بلدتهم، فخرج الى (الدرعيه( شرقى نجد، وهذه البلاد كانت من قبل بلاد مسيلمه الكذاب التى انطلقت منها احزاب الرده. فراجت افكار محمد بن عبد الوهاب فى هذه البلاد و اتبعه اميرها محمد بن سعود، وعامه اهلها.
وكان فى ذلك كله يتصرف وكانه صاحب الاجتهاد المطلق، فهو لا يعبا بقول احد من ائمه الاجتهاد لا من السلف ولا من المعاصرين له، هذا ولم يكن هو على الحقيقه ممن يمت الى الاجتهاد بصله!!
ولقد اثبت المحققون فى تاريخ الوهابيه ان هذه الدعوه قد انشئت فى الاصل بامر مباشر من وزاره المستعمرات البريطانيه5.
ومن الاصول المخفيه للوهابية تمزيق المسلمين واثاره الفتن والحروب فيما بينهم خدمه للمستعمر الغربى. وهذا هو المحور الذى دارت حوله جهود الوهابيه منذ نشاتها وحتى اليوم.. فهو الاصل الحقيقى الذى سخر له الاصل المعلن من اجل اغواء البسطاء وعوام الناس.
يعتقد الوهابيه انهم وحدهم اهل التوحيد الخالص، واما سائر المسلمين فهم مشركون لا حرمه لدمائهم وذراريهم واموالهم، ودارهم دار حرب وشرك!!
ويعتقدون ان المسلم لا تنفعه شهاده ان (لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه) ما دام يعتقد بالتبرك بمسجد الرسول - مثلا - ويقصد زيارته ويطلب الشفاعه منه!
ويقولون ان المسلم الذى يعتقد بهذه الامور فهو مشرك وشركه اشد من شرك اهل الجاهليه من عبده الاوثان والكواكب!
ففى رساله (كشف الشبهات) اطلق محمد بن عبد الوهاب لفظ الشرك والمشركين على عامه المسلمين عدا اتباعه فى نحو 24 موضعا، واطلق عليهم لفظ: الكفار، وعباد الاصنام، والمرتدين، وجاحدى التوحيد، واعداء التوحيد، واعداء اللّه، ومدعى الاسلام فى نحو 20 موضعا. وعلى هذا النحو سار اتباعه فى سائر كتبهم.
لقد نقل ابن حزم الاصل القائل: (انه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله فى اعتقاد او فتيا) ثم عد ائمه السلف القائلين به، الى ان قال: (وهذا هو قول كل من عرفنا له قولا فى هذه المساله من الصحابه، ولا نعلم فيه خلافا).
اما ابن تيميه فقد صرح بانه لم يكفر المسلمين بالذنوب والاجتهادات الا الخوارج.
اذن ليس للوهابيه سلف يقتدون به فى بدعتهم هذه سوى الخوارج!!
اوجه التشابه بين الخوارج والوهابية .
لقد خرج الخوارج في الماضي عن طاعة امير المؤمنين علي (ع) وكفروه وكفرواالمسلمين معه، فكان كل ضحاياهم من المسلمين، ولم يقتلوا يهوديا واحدا ولا نصرانيا ولا كافرا واحدا، بل وجهوا جام حقدهم وقساوتهم ووحشيتهم ضد المسلمين، فقتلوا الرجال والشيوخ والاطفال والنساء حتى بقروا بطون الحوامل من النساء المسلمات... وكان من ضحايا كفرهم وضلالهم اعظم انسان بعد رسول الله (ص)، امير المؤمنين الامام علي (ع) حيث ضرجوه بدمائه الطاهرة وهو ساجد لله في محرابه.وفي العصر الحديث أي منذ ما يقارب القرنين تقريبا عاد الشيطان ليبث قرنه من جديد من المنطقة التي حذر منها رسول الله (ص) الا وهي منطقة نجد تحت اسم " الوهابية " تارة و " السلفية " تارة اخرى ، الذين يقرؤون القران ولكن لا يتجاوز حناجرهم . وكما فعل اسلافهم من الخوارج، فعلوا هم ايضا فكان جل ضحاياهم من المسلمين الموحدين سنة وشيعة... فهم لا يرقبون في مسلم الا ولا ذمة.
وان تباعد الزمان بين الوهابية والخوارج ..الان ان اوجه التشابه واحده وانظر هذا الجدول في التوافق بينهم :ـ
الخوارج الوهابية
شذ الخوارج عن جميع المسلمين فقالوا: ان مرتكب الكبيره كافر. وشذ الوهابيه فكفروا المسلمين على ما عدوه من الذنوب .
حكم الخوارج على دار الاسلام اذا ظهرت فيها الكبائر انها دار حرب، وحل منها ما كان يحل لرسول اللّه(ص) من دار الحرب، اى تهدر دماوهم واموالهم. حكم الوهابيه على دار الاسلام وان كان اهلها من اعبد الناس للّه تعالى واكثرهم صلاحا، اذا كانوا يعتقدون جواز السفر لزياره قبر النبى (ص) ومشاهد الصالحين ويطلبون منهم الشفاعه.
ويلاحظ فى النقطتين معا ان الوهابيه شر من الخوارج فالخوارج نظروا الى امور اجمع المسلمون على انها كبائر بينما ركز الوهابيه على اعمال ليست هى من الذنوب اصلا بل هى من المستحبات التى عمل بها السلف الصالح من الصحابه والتابعين ومن بعدهم بلا خلاف، كما تقدم بينه.
تشابه الوهابيه والخوارج فى التشدد فى الدين والجمود فى الفهم
فالخوارج لما قراوا قوله تعالى (ان الحكم الا للّه) قالوا من اجاز التحكيم فقد اشرك باللّه تعالى، واتخذوا شعارهم (لا حكم الا للّه) كلمه حق يراد بها باطل، فقولهم هذا جمود وجهل كبير، فالتحكيم فى الخصومات ثابت فى القرآن الكريم وفى بداهه العقول وفى السنه النبويه وسيره الرسول والصحابه والتابعين.
وكذلك الوهابيه لما قراوا قوله تعالى: (اياك نعبد واياك نستعين) وقوله تعالى: (من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه) و(لا يشفعون الا لمن ارتضى)، قالوا: ان من قال بجواز طلب الشفاعه من النبى والصالحين فقد اشرك باللّه، ومن قصد زياره النبى وساله الشفاعه فقد عبده واتخذه الها من دون اللّه، فكان شعارهم (لا معبود الا اللّه) و(لا شفاعه الا للّه)، وهى كلمه حق يراد بها باطل، وهى جمود ايضا وجهل كبير، وجواز هذه الامور ثابت فى سيره الصحابه والتابعين كما تقدم.
قال ابن تيميه: (الخوارج اول بدعه ظهرت فى الاسلام فكفر اهلها المسلمين واستحلوا دماءهم) وهكذا كانت بدعه الوهابيه وهى آخر بدعه ظهرت فى الاسلام. الاحاديث الشريفه التى صحت فى الخوارج ومروقهم من الدين، انطبق بعضها على الوهابيه ايضا.. ففى الصحيح عنه(ص) قال: يخرج اناس من قبل المشرق يقراون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه، سيماهم التحليق.
قال القسطلانى فى شرح هذا الحديث: من قبل المشرق: اى من جهه شرق المدينه كنجد وما بعدها.
ونجد هى مهد الوهابيه وموطنها الاول الذى منه ظهرت وانتشرت.. وايضا فان حلق الرووس كان شعارا للوهابيه يامرون به من اتبعهم وحتى النساء. ولم يكن هذا الشعار لاحد من اهل البدع قبلهم، لذا كان بعض العلماء المعاصرين لظهور الوهابيه يقولون: (لا حاجه الى التاليف فى الرد على الوهابيه، بل يكفى فى الرد عليهم قوله(ص): (سيماهم التحليق) فانه لم يفعله احد من المبتدعه غيرهم.
جاء فى الحديث النبوى الشريف فى وصف الخوارج: (يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان). وهذا هو حال الوهابيه تماما، فلم يشننوا حربا الا على اهل القبله، ولم يعرف فى تاريخهم انهم قصدوا اهل الاوثان بحرب او عزموا على ذلك، بل لم يدخل ذلك فى مبادئهم وكتبهم التى امتلات بوجوب قتال اهل القبله!!
ز- روى البخارى عن ابن عمر انه قال فى وصف الخوارج: (انهم انطلقوا الى آيات نزلت فى الكفار، فجعلوها على المومنين) وورد عن ابن عباس انه قال: (لا تكونوا كالخوارج، تاولوا آيات القرآن فى اهل القبله، وانما انزلت فى اهل الكتاب والمشركين، فجهلوا علمها فسفكوا الدماء وانتهبوا الاموال).
وهذا هو شان الوهابيه، انطلقوا الى الايات النازله فى عبده الاوثان فجعلوها على المومنين، بهذا امتلات كتبهم، وعليه قام مذهبهم.
موقف الوهابيه في كربلاء ؟
في 22 نيسان 1802 م هجم الوهابيون بقيادة ملكهم سعود بن عبد العزيز، فجأة على مدينة كربلاء المقدسة واستباحوها قتلا ونهبا وتهديما وسقط على أثر ذلك عدد كبير من القتلى والجرحى من الرجال والنساء والشيوخ والاطفال الذين تواجدوا انذاك في الشوارع والاسواق، ثم هجموا على صحن الامام الحسين " ع " وعلى ضريحه وقتلوا كل من وجدوا أمامهم، ثم نهبوه واضرموا النار فيه، وكان ذلك في احتفال يوم " عيد الغدير " من تلك السنة.
وبعد سنتين من تاريخ الهجوم على كربلاء، هجم الوهابيون على النجف الاشرف ومرقد الامام علي (ع)، غير ان مقاومة اهل المدينة وبسالتهم انقذت مدينتهم وكذلك قبر الامام علي (ع) من التهديم .
وفي عام 1807 غزا الوهابيون كربلاء ثانية غير انهم لم يستطيعوا دخولها لان اهلها كانوا قد حصنوها تحصينا جيدا بعدما اصابهم منهم في الغزوة الاولى.
وفى الوقت الذى كان فيه محمد بن عبد الوهاب يبشر بدعوته الجديده فى نجد، كان رجل آخر يبشر بدعوه اخرى جدد فيها كثيرا مما كان قد اندرس من عقائد .
ذلك الرجل هو (الشيخ احمد الاحسائى المتوفى سنه 1241ه)، وسمى اتباعه (الشيخيه). ولما مات احمد الاحسائى كان خليفته كاظم الرشتى ومقره مدينه كربلاء.
لقد غزت الوهابيه مدينه كربلاء فى الوقت الذى كان يتمركز فيها الشيخيه وزعيمهم كاظم الرشتى، وعلى عادتهم فى سائر حروبهم قتلوا آلاف الرجال والاطفال والنساء ونهبوا الاموال وخربوا البيوت، ولكن فى اثناء ذلك منحوا كاظم الرشتى الامان، وجعلوا بيته آمنا، ومن لجا اليه فهو آمن!! .
انه موقف يكشف عن حقيقه الوهابيه، ويفضح زيف ادعائهم فى اخلاص التوحيد ومحاربه الشرك!
وهنا التفاته الى الوراء.. مع ابن تيميه الذى يزعم الوهابيه انه قدوتهم وامامهم، وموقفه من احدى الفرق الغاليه.. وهى الفرقه اليزيديه التى غلت بيزيد بن معاويه، ومنهم (العدويه) نسبه الى عدى بن مسافر الذى كان قدوتهم اولا ثم غلوا فيه وفى يزيد، وقد عاصر ابن تيميه فتره نمو هذه الفرقه وكان له معهم موقف يثير الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام.
فابن تيميه مشهور بحدته وهجومه على سائر الفرق الاسلاميه ووصفها بالضلال والزيغ والانحراف، فكيف خاطب هولاء الغلاه المشركين؟
لقد كتب اليهم كتابا استهله بكلام عجيب يصفهم فيه بالاسلام والايمان، ويسدى لهم النصح باسلوب اخوى هادى لا تجد منه حرفا واحدا فى كلامه عن الفرق الاسلاميه الاخرى كالاشعريه والشيعه الاماميه والزيديه والمعتزله والمرجئه وغيرهم. فقال:
(من احمد بن تيميه الى من يصل اليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين الى السنه والجماعه، المنتمين الى جماعه الشيخ العارف القدوه ابى البركات عدى ابن مسافر الاموى رحمه اللّه، ومن نحى نحوهم، وفقهم اللّه لسلوك سبيله واعانهم على طاعته وطاعه رسوله... سلام عليكم ورحمه اللّه وبركاته، وبعد...
هكذا جعلهم من المسلمين المنتسبين الى السنه والجماعه مع انهم من الغلاه بلا خلاف، والغلاه مشركون خارجون عن الاسلام باجماع الفرق الاسلاميه، وبمقتضى الكتاب والسنه، لانهم اخلوا بالتوحيد فخرجوا منه الى الشرك!
فهل سيكون فى هذه المواقف عبره؟
2. واليوم يعود احفاد اولئك الوهابيين من جديد لينتهكوا حرمة اهل بيت النبوة وشيعتهم بشنهم هجوما غادرا في الثلاثاء العاشر من محرم 1425 ه. الموافق لتاريخ 2 / 3 / 2004 م..واستمرت الى اربعين الامام الحسين (ع) في عام 2009 , فيقتلون ويجرحون المئات من محبي ال بيت الرسول وشيعتهم ظلما وعدوانا وهم (أي اولئك الوهابيون) يظنون انهم يحسنون صنعا.
ومن احد امور الوهابيه وافتراءهم على ابن تيميةامامهم هو ما نقل ابن تيميه ان الامام احمد قد كتب جزءا فى زياره مشهد الامام الحسين(ع) فى كربلاء، وما ينبغى ان يفعله الزائر هناك، وقال ابن تيميه: ان الناس فى زمن الامام احمد كانوا ينتابونه، اى يقصدون زيارته.
اما فى عقيده الوهابيه فان شد الرحال الى المشاهد وقصد زيارتها من الشرك الذى تهدر معه الدماء والاموال..
وبهذا فقد حكموا بالشرك وهدر الدماء والاموال على الامام احمد ومن عاصره ومن كان قبلهم من السلف الذين كانوا يفعلون ذلك ويستحبونه.
بل لازم قولهم: ان الامه منذ ذلك العصر كلهم مشركون وكفار!! وهذا يتعدى حتى الى الصحابه ايضا.
وعن عقيدتهم بالاستشفاع بالنبى(ص)، فعندهم ان من طلب الشفاعه من النبى(ص) بعد موته فقد اشرك الشرك الاكبر، وقد جعل النبى عندئذ وثنا يعبده من دون اللّه، وعلى هذا اوجبوا هدر دمه وماله.
بينما ثبت فى الصحيح ان كثيرا من اجلاء الصحابه والتابعين كانوا يفعلون ذلك ويستجاب لهم عاجلا، وقد صحح ذلك ابن تيميه ايضا فى كتابه (الزياره 7: 101 - 106) من طرق عديده نقلها بطولها عن البيهقى والطبرانى وابن ابى الدنيا واحمد بن حنبل وابن السنى، رغم انه اصر على خلافها اصرارا على الراى رغم اعترافه بوجود البرهان على خلافه، الا ان ابن تيميه لا يرى ذلك من الشرك الاكبر كما فعلت الوهابيه.
فيكون اولئك الصحابه والتابعون - وفقا لعقيده الوهابيه - من المشركين الذين يجب قتلهم!!
وليس هولاء وحدهم مشركين فى عقيده الوهابيه، بل الاخرون ممن كان يبلغه فعلهم هذا فى استشفاعهم بالنبى(ص) ولا ينكر عليهم ولا يكفرهم، هولاء ايضا محكوم عليهم بهدر الدماء والاموال..
وعقيدتهم في الصحابه .. فقال محمد بن عبد الوهاب موسس الوهابيه ما نصه: ان جماعه من الصحابه كانوا يجاهدون مع الرسول ويصلون معه ويزكون ويصومون ويحجون، ومع ذلك فقد كانوا كفارا بعيدين عن الاسلام!!
ومما يوكد عقيدتهم هذه فى الصحابه مبالغه كتابهم وعلمائهم فى الدفاع عن يزيد بن معاويه والثناء عليه، فى حين لم يعرف التاريخ عدوا للصحابه كيزيد، ولا عرف التاريخ احدا اباح دماء الصحابه واعراضهم كما فعل يزيد فى وقعه الحره بالمدينه المنوره حيث اباحها لجنده ثلاثه ايام يقتلون رجالها وكلهم من الصحابه وابناء الصحابه، ويهتكون الاعراض وهى اعراض الصحابه فافتضوا العذارى من بنات الصحابه حتى انجبت منهن نحو الف عذراء لا يدرى من اولدهن!!
وقبل ذلك كان فعله فى كربلاء فى قتل ثمانيه عشر رجلا من اهل بيت الرسول(ص)، فيهم سبطه وريحانته الحسين، واولاده واولاد اخيه الحسن، ومن معه من اخوته وابناءهم وحتى الرضع منهم.
وبعد ذلك فعله فى مكه المكرمه واحراق الكعبه.. ذلك هو يزيد الذى يثنون عليه.. ومن يدرى لعلهم يثنون عليه لاجل اعماله تلك وفعله ذلك فى الصحابه ونسائهم وذرياتهم؟!
واغرب من ذلك ان يزيد كان لا يقيم الصلاه، وكان يشرب الخمره.. فهم بحكم انتسابهم الى فقه الامام احمد ينبغى ان يفتوا بكفره لاجل هذا وحده.. ولكنهم اثنوا عليه واعتذروا له..
فلاى شىء اثنوا على يزيد مع علمهم بكل ما تقدم من فعله وخصاله، بينما كفروا من استشفع بالرسول او قصد زيارته وان كان من كبار الصحابه والتابعين ومجتهديهم؟
تعريف السلفية .
يقول احمد بن حجر في تعريف مذهب السلف: واما المراد بمذهب السلف هو ما كان عليه الصحابة (رض) وما كان عليه اعيان التابعين لهم باحسان وما كان عليه اتباعهم وائمة الدين ممن شهد له بالامامة، وعرف عظيم شانه في الدين وتلقى الناس لكلامهم خلفا عن سلف . كالائمة الاربعة والسفيانين والليث بن سعد وابن المبارك النخعي، والبخاري ومسلم وسائر اصحاب السنن دون من رمي ببدعة او شهر بلقب غير مرضي مثل الخوارج والروافض والمعتزلة وسائر الفرق الضالة.
وقالوا ان السلفية هي ماورد في حديث رسول الله (ص) الذي ينقلوه عن عبد الله ابن مسعود: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يجئ اقوام تسبق شهادة احدهم يمينه ويمينه شهادته.
ومن هذا الحديث – بغض النظر عن صحته او ضعفه – فخير الناس معاصري رسول لله (ص) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
وهؤلاء اطلقوا عليهم التابعين، والسلف الصالح.
هذا جيل القرن الاول : الذي استباح حرمة المدينة ومكة وقتل اهل البيت (ع).
فهل يعقل ذلك وفيهم معاوية وعمرو بن العاص ويزيد ومروان ابن الحكم وغيرهم من المجرمين ! كيف يكونوا خير الناس وقد كفّر بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا... ؟!
فاذا كان مذهب السلف ما كان عليه الامام مالك فلماذا يرفض المذهب المالكي وينهي السلفيون المعاصرون عن تقليده ؟ !
ولماذ كفّر اسلافهم من " الحنابلة " ...
فيما مضى اتباع المذهب الشافعي، وسبّوا صاحبه وطعنوا في امامته ؟
ووقفوا للشوافعة في الطرقات وترصدوهم وقتلوهم .
ولماذا انهى امام الحنابلة كما يدّعون عن تقليد الشافعي وابو حنيفة ومالك ؟!
واذا كان يقصد بالروافض من رفض خلافة ابي بكر وعمر، فقد رفضها الامام علي والسيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين وابو ذر وسلمان وعمار وسعد بن عبادة الانصاري وغيرهم... وهم من القرن الاول خير القرون كما يقولون ؟.
والواقع ان المقصود عندهم بالسلف الصالح هو من اعتقد بامامة معاوية ويزيد (وبني امية) (عليهم لعنة الله )وقد الّفوا في فضائلهما وتنزيههما الكثير من الكتب.
من هم السلفية:
من هم حقيقة دعاة الانتساب لمذهب السلف او"السلفية" في الماضي والحاضر ؟
وهل لهؤلاء ( (السلفية)) مذهب خاص في الاصول والفروع يميزهم عن باقي الفرق الاسلامية المعروفة ؟
المقصود بالسلفية هم اولئك الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، وكانوا من الحنابلة، وزعموا ان جملة ارائهم تنتهي الى الامام احمد بن حنبل الذي احيى عقيدة السلف، ودافع عنها، ثم تجدد ظهورها في القرن السابع الهجري على يد ابن تيمية الذي احيا هذا المذهب وشدد في الدعوة اليه، واضاف اليه امورا اخرى، ثم ظهرت تلك الاراء في هضبة نجد في القرن الثاني عشر الهجري، احياها محمد بن عبد الوهاب ومازال الوهابيون ينادون بها6.
يتبين من هذا التعريف الذي اورده الشيخ محمد ابو زهرة، بان دعاة السلفية او مذهب السلف هم شريحة من اتباع المذهب الحنبلي وليس جميع اتباع هذا المذهب، لان هذه الفئة التي سمت نفسها ب "السلفية" لها اراء وافكار ومذهب خاص في "الاصول والعقائد"، واحمد بن حنبل يعتبر احد الائمة الاربعة المقلدين في الفقه، وليس له في العقائد او الاصول مذهب خاص به.
لذلك كان اغلب مقلدي هؤلاء الائمة الاربعة واحمد بن حنبل منهم، ينتمون عقائديا الى المذهب الكلامي الممثل بشقيه "الاشعري" و " الماتريدي " مذهب "اهل السنة والجماعة" في الاصول.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كان جل الحنابلة في الاصول على عقيدة مذاهب اهل السنة والجماعة من اشاعرة وماتريدية ؟
الجواب بالنفي ....
فقد كان الحنابلة دون باقي المذاهب الفقهية الاخرى، موزعين على عقائد شتى ومذاهب اصولية مختلفة، فمنهم من كان اشعريا، ومنهم من كان صوفيا، يؤمن بعقائد وحدة الوجود وغيرها من عقائد الصوفية، ومنهم مفوضية يتبعون بعض السلف في عقائدهم وارائهم . ومنهم وهم الاغلبية كانوا – كما اجمعت عليه كتب الحديث يعتقدون بالتشبيه والتجسيم والقول بالجبر وغيرها من الاراء والمعتقدات، التي تجنّد المعتزلة اولا لمحاربتها، ثم تصدّى فيما بعد "اهل السنة والجماعة" . من علماء الكلام، الاشاعرة والماتريدية وهم ممن يذهب مذاهب التنزيه .
وقد اشتهر ابن تيمية بالتشبيه والتجسيم وكان يذهب مذاهب الحشوية في العقائد، وقد تبعه في ذلك فيما بعد تلميذ مدرسته الشهير أي محمد بن عبد الوهاب، ولذا نرى بان "الحشوية هي حنبلية المنشا".
ان من يقرا كتب رجالات السلفية المعاصرين، في الاصول والفروع ، وما يدعون اليه ، سيجد بان الدعوة " الحشوية الحنبلية " قد قامت من رقادها الطويل مستعيرة لقب "السلفية" للتضليل والتمويه على عامة الناس عموما وبناء الصحوة الاسلامية خصوصا .
وقد تنبه لذلك طائفة من علماء اهل السنة ، فبادروا الى فضح هذه الطائفة السلفية وحذّروا الناس من اتّباعها ، ومن هؤلاء العلماء السنة ابن خليفة عليوي وهو عالم ازهري الذي يقول:
" لقد ظهرت في بلادنا الشامية طائفة تدعو الى " السلفية " ونهجها اعتناق العقيدة " الحشوية الحنبلية " وتبديع اهل السنة والجماعة، ويضيف:
" ولنحذر جميعا من وساوس الشياطين ان تزين لنا نزعات الضالين من اليهود والنصارى المجسمين الذين اتّبعهم في ذلك "الحشوية الحنبلية" ، فقد اصيب بهم المسلمون باكبر بلية , تركوا العقل والنظر واخذوا بظاهر الخبر, ولا مستند لهم من شرع سيد البشر محمد عليه افضل الصلاة والسلام . فليت شعري كيف يدّعون " السلفية" ويزعمون انهم يدعون الى التوحيد الخالص والاعمال الصالحات، وهم مجسمون ومتمسكون باذناب الضلالات !! فاخلق بهم ان لو ياخذوا بعقيدة اهل السنة والجماعة لرشدوا الى طريق الاسلام . ابن خليفة عليوي، هذه عقيدة والخلف في ذات الله سبحانه وتعالى، دمشق 1979، ص5. ان السلفية الوهابية اليوم ، والتي تتخذ من ارض الجزيرة والحرمين الشريفين منطلقا لها ولدعوتها، هي في حقيقة الامر، بعث لعقائد فرقة " الحشوية الحنبلية" التي عرفت في التاريخ بهذا الاسم.
التجسيم الحشوية والمذهب الحشوي
لقب تحقير اطلق على اولئك الفريق من اصحاب الحديث الذين اعتقدوا بصحة الاحاديث المسرفة في التجسيم من غير نقد ، بل فضلوها على غيرها واخذوا بظاهر لفظها .
كان لمنع عمر بن الخطاب الخليفة الثاني لتدوين احاديث رسول الله (ص) نتائج وخيمة على مستقبل العالم الاسلامي وفكره وثقافته . وبعد زمن عمر انتشر الرواة في الافاق يبحثون عن الصحابة ومن عاصرهم ، لاخذ الحديث عنهم .
وكان من بين هؤلاء عدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى ، اظهروا الاسلام في عهد الخلفاء الثلاثة الاوائل ، ثم اخذوا بعد شهادة الامام علي (ع) في بث ما عندهم من الاساطير، بين من تروج عليهم ممن لم يتهذب بالعلم من اعراب الرواة وبسطاء مواليهم . فتلقفوها منهم ورددها الاخرون بسلامة قلب ، معتقدين ما في اخبارهم في جانب الله من التجسيم والتشبيه ، ومستأنسين بما كانوا عليه من الاعتقاد في جاهليتهم ، وقد يرفعونها افتراء الى الرسول (ص) او خطاء ، فأخذ التشبيه يتسرب الى معتقدات الطوائف ويشيع شيوع النار في الهشيم . وهنا نشا الحشو، وترعرع ونما ، حيث تم ادخال الكثيرمن عقائد اهل الكتاب خاصة الى الاسلام عن طريق الحديث النبوي، وتلقفها بسطاء الرواة وغيرهم على انها عقائد الاسلام جاءت على لسان الرسول محمد (ص) .
واذا عرفنا هذه الحركة كانت ملازمة لظهور الفتن السياسية في المجتمع الاسلامي الناشئ ، وانتصار الامويين في نهاية المطاف ، وتسلمهم لسدة الحكم . يتبين لنا مدى انتشار هذه الظاهرة وتغلغلها في تفكير المسلمين انذاك . وملوك بني امية بدءا من معاوية بن ابي سفيان والى اخرهم. الا ما كان من فعل عمر بن عبد العزيز الذي امر بتدوين السنة واوقف لعن الامام علي على المنابر وارجع فدك ((نحلة فاطمة)) الى بنيها.
لم يولوا أي اهتمام للدفاع عن عقائد الاسلام ، او محاولة الوقوف امام خصومها من يهود ونصارى ، فما كان يهم بني امية هو الجانب السياسي ، وتثبيت الملك العضوض باي وسيلة ، بل كان فسح المجال لاحبار اليهود والنصارى وغيرهم من دعاة الملل والنحل السالفة ، احدى الوسائل التي ركبها ملوك بني امية لتوطيد ملكهم . فتزعموا القول بالجبر وشجعوا الاعراب من الرواة على التحديث بذلك ، فاختلق هؤلاء من الاحاديث والروايات التي ينسبوها للرسول (ص) الكثير. لتكون فيما بعد معتمد الحشوية من اهل الحديث والحنابلة .
وللدعوة الى هذه النحلة وترسيخها كعقيدة اسلامية جعلت الحبر النصراني يوحنا الدمشقي الذي عاش في قصور الامويين وخدمهم ، يقول بان الاسلام ليس الا العقيدة الجبرية .
اما التشبيه والتجسيم فقد اطلق ملوك بني امية العنان – ومن قبلهم الخليفتان عمر وعثمان – لهؤلاء المتاسلمة من اهل الكتاب . فنقلوا ونشروا ما في التوراة والانجيل من عقائد الى المسلمين، سواء كاحاديث مستقلة منسوبة للرسول (ص) ، او كشروح لايات الذكر الحكيم . وقد كان كعب الاحبار يقول ابن كثير: ((اسلم كعب في الدولة العمرية وجعل يحدث عمر عن كتبه قديما، فربما استمع له عمر، فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عثها وسمينها. وليس لهذه الأمة ـ والله اعلم ـ حاجة الى حرف واحد مما عنده))7.
وهو من يهود اليمن يقرا التوراة في مسجد الخليفة رسول الله (ص) على عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، ولم يتعرض لاي نهي ! في الوقت الذي كان الخليفة نفسه ينهي الصحابة عن الرواية عن رسول الله (ص) ، ويتوعدهم العقاب ان هم حدثوا او اكثروا الرواية عنه (ص). وتبعه وهب بن منبه وكان عالما بالتوارة فجلس يحدث في المدينة وغيرها من حواضر الاسلام بما يجده في كتب الاولين ، فنقل عنه المسلمون الكثير من الاحاديث والروايات في تفسير قصص الانبياء وتواريخهم من لدن ادم (ع) والى خاتم الرسل (ص) .
ودخلت مع تلك التفاسير والشروح عقائد اهل الكتاب المحرفة وكثر تداولها وتناقلها بين الرواة. ويرى الشيخ الكوثري انهم سموا لاجل هذا " الحشوية " , وان الى هؤلاء ينسب اصناف المشبهة والمجسمة.8.
لقد ظلت عقائد التجسيم والتشبيه متناثرة هنا وهناك ، في اقوال المحدثين ورواياتهم حتى ظهر مقاتل بن سليمان (المتوفي سنة 150 ه) وهو احد كبار المفسرين ، الذي ملا تفسيره حشوا من الاسرائيليات.
لذلك فقد اجمعت المصادر كما يقول الدكتور علي سامي النشار على كونه مشبها ومجسما ، وانه اخذ من علم اليهود والنصارى ما يوافقه لتدعيم تفسيره المشبهي المجسمي ...
يقول ابن حيان:
كان يأخذ من اليهود والنصارى ومن علم القرآن الذي يوافقه وكان يكذب في الحديث . فتاثر الرجل باليهود والمزدكية ظاهرا9 .
وجاء بعده مجاهد بن جبر المحدث ، ونشر حديث (المقام المحمود) عن مجاهد ((عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا)) قال: يجلسه او يقعده على العرش، يقول الذهبي لهذا القول طرق خمسة، واخرجه ابن جرير في تفسيره، وعمل فيه المروزي مصنفا10.
الذي قام سلف الحشوية الحنبلية " بمعارك طاحنة لاجل اثباته ، في كل من بغداد ودمشق والقاهرة ، حيث ابوا الا ان يجلسوا النبي (ص) مع ربه على العرش سبحانه وتعالى عما يصفون .
لقد كانت الفرقة الكرامية (نسبة الى مؤسسها محمد بن كرام / ت 255ه) مجسمة غالى صاحبها في اثبات العرشية والفوقية . واكد على ان الله جسم ، لكن ليس كالاجسام ، انه مستقر على العرش ومما له ، كما قال الكرامية بقيام الحوادث بذات الله .
وجاءت باراء ومعتقدات خالفت فيها الفرق الاسلامية جميعا وعلى راسهم اهل السنة والجماعة. الا ان لهم رايا مميزا يخص النبوة والرسول والمرسل . وقد قام الدكتور النشار بتخريج لطيف له، يربط بينه وبين عقيدة السلفية المعاصرة في موقفها من الرسول (ص) وقبره وشد الرحال اليه. لقد ذهبت الكرامية الى ان النبوة والرسالة عرضان حالان في النبي والرسول ، منفصلتان تمام الانفصال عن الوحي اليه ، وعند ظهور المعجزات على يديه ، وعن عصمته عن الخطا والمعصية ، فمن فعل الله فيه تلك الصفة وجب على الله تعالى ارساله...
وتضع الكرامية تمييزا بين الرسول والمرسل ، فالرسول من حصل فيه " ذلك المعنى " وانه يجب على الله ان يرسله الى الناس رسولا بهذا المعنى ، فاذا ارسل يكون مرسلا ولم يكن قبله من المرسلين بل رسولا فقط، ولهذا يقولون " ان النبي (ص) في قبره رسول وليس بمرسل .... وقد عارض اهل السنة والجماعة هذا التمييز الدقيق بين الرسول والمرسل ، وقرروا ان الرسول (ص) في قبره رسول ومرسل...
ولكن ما هو السر الحقيقي في هذا التمييز عند الكرامية ؟
اما التفسير الذي اراه اقرب الى الحقيقة – يقول النشار- فهو ان الكرامية كانت ترمي الى غرض بعيد، وهو عدم اسباغ القداسة على الرسول في قبره، وعدم شد الرحال اليه ، مخالفة في هذا رأي اهل السنة والجماعة، فقررت الكرامية ان النبوة والرسالة كانتا عرضين او معنيين القاهما الله فيه ازلا، ثم ادى رسالته بمفهوم المرسل عند الكرامية ، ثم انتهى عمله هو... انتهى الرسول والمرسل والرسالة باقية ، فلا اسباغ للقداسة عليه . ويتضح هذا من موقف خلف الكرامية من حقيقة الرسول ووقوفهم امام قبره ، فهم ان تصادف وقوفهم امامه يسلمون عليه ويقولون: " لقد اديت الرسالة "، ومن عدم اعتبار زيارة الرسول فرضا او نفلا... ان الغرض فقط هو حج الكعبة المقدسة ، والنفل هو العمرة ، ان الكلام كما نعلم اوثق اتصال بالفقه, اثرت الكرامية في سلف المتاخرين، ونادى ابن تيمية بما نادى به الكرامية . واحتضن الحنابلة المتاخرون هذه الاراء، وظهرت على اقوى صورة لدى الوهابيين بعد واصبحت جزءا من عقائدهم11.
لقد عاشت الكرامية بعد موت مؤسسها، ثم تلقى المذهب عالم من اكبر علماء السلف وصوفي من ارق الصوفية، هو الهروي الانصاري ثم احتضنها سلفي متاخر ومفكر من اكبر مفكري السلفية وهو " تقي الدين بن تيمية " او بمعنى ادق سار الحشو في طريقه يدعم فكرة التشبيه والتجسيم ويجتذب اليه مجموعة من اذكى رجالات الفكر الاسلامي12.
وان كان ابن تيمية سيتجه بهذا الحشو اتجاها نحو عقلنته بجمع متناقضاته وارائه المختلفة المشارب والاتجاهات وصبها في قالب، قال عنه انه مذهب اهل الحق من السلف والخلف . وتبعه في ذلك تلميذه ابن قيم الجوزية ، وحمل راية الدعوة الى ذلك بالسيف محمد بن عبد الوهاب النجدي الحنبلي واتباعه ، حيث السعي الجاد اليوم لنشر هذه المعتقدات والاراء في العالم الاسلامي ومحاربة غيرها . لقد كانت البذرة الاولى للتشبيه اما وافدة على البيئة الاسلامية ضمن مؤامرة على عقيدة التوحيد الخالص، او وليدة هذه البيئة نفسها، نتيجة سوء الفهم لبعض النصوص الاسلامية ، لذلك فالحشو والتشبيه وما ينتهيان اليه من تجسيم ، قد نبتا في صفوف المسلمين وصار لهما ممثلون بين الفرق المختلفة ، فهناك حشوية بين اهل السنة وبين غلاة الشيعة، يظهرون في عصور مختلفة.
وهناك " حشوية ومشبهة " تنتمي الى الحنابلة وان تبرأ منها محققوا الحنابلة انفسهم. مدخل الى علم الكلام، ص77، مثل ابن الجوزية الذي ذم اصحابه الحنابلة لاعتقادهم الحشو والتشبيه والتجسيم.
وهؤلاء هم الذين يطلقون على انفسهم اليوم اسم " السلفية " وهم في الحقيقة " حشوية الحنابلة ". ونسبتهم للحنابلة لانهم يدّعون انهم على ما كان عليه الامام احمد بن حنبل في الاصول والفروع .
من الملاحظ اذا اننا انتهينا الى حقيقة مفادها، ان فرقة " السلفية المعاصرة " اليوم هي تيار حشوي له جذور عميقة في التاريخ الفكري للحشو وعقائده , وانه مذهب انتقائي تكاد ترجع اغلب ارائه في العقائد الى الاسرائيليات، التي حشا بها الرواة من الاعراب ومتاسلمة اليهود والنصارى احاديث الرسول (ص).
على ان مصطلح " الحشوية الحنبلية " ليس من مبتكرات خصوم " السلفية " اليوم ، وانما ورد في كثير من كتب التاريخ وكان يقصد به سلف " السلفية الوهابية المعاصرة ".
فقد ذكر ابن عساكر في كتابه " تبيين كذب المفتري عن الامام ابي الحسن الاشعري " قوله :
" وفي منتصف القرن الخامس استفحل امر هؤلاء الحشوية ببغداد حتى (اخطر) امثال ابي اسحاق الشيرازي وابي بكر الشاشي وغيرهما من ائمة الشافعية ان يكتبوا محضرا عليه خطوطهم ورفعوه الى نظام الملك ، ومن جملة ما فيه :
" ان جماعة الحشوية والاوباش الرعاع المتسمين بالحنبلية اظهروا ببغداد من البدع الفظيعة والمخازي الشنيعة ما لم يتسمع به ملحد فضلا عن موحدهذه عقيدة السلف، ص89، انظر دفع شبه التشبيه والرد على المجسمة ممن ينتحل مذهب الامام احمد، لابي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي، المتوفي سنة 597
والبدع الفظيعة التي ذكرها النص ليست سوى قولهم واعتقادهم مذاهب التشبيه والتجسيم ، مما اخذ عن اهل الكتاب من يهود ونصارى وغيرهم .
يرى الدكتور مصطفى الشكعة ان الامام ابا الحسن الاشعري قد استطاع ان يصدر احكاما في قضايا العقائد في جو من الاعتدال والصفاء بعيدا عن التهور والاندفاع ، بالرغم من ان بعض الفقهاء ارتابوا في عقيدته وان " الحنابلة " رموه بالكفر، فان ذلك لم ينهض دليلا على زيغهالدكتور مصطفى الشكعة، اسلام بلا مذاهب، الدار المصرية للطباعة والنشر بيروت، ص462.
بل نصره كبار العلماء كابي بكر الباقلاني وامام الحرمين الجويني والاسفرائيني وغيرهم من الاعلام الذين تبنوا افكاره بعد موته .
وقد سمى هؤلاء الاعلام راي الاشعري بمذهب اهل السنة والجماعة13.
ويعزز ابن خلدون المؤرخ هذا الراي كذلك، حينما يعلق بان منهج الاشعري توسط بين الطرق .
وقد ذهب الدكتور الشكعة وغيره من المؤرخين الى ان اول من لقب " باهل السنة " هم الاشاعرة ، حيث اصبح المذهب الذي خرج به استاذهم هو بالذات14.
وبعد ظهور ابو منصور الماتريدي وتصنيفه في العقائد " قرر الكثير من علماء المذهب الحنفي ان النتائج التي وصل اليها تتفق تمام الاتفاق مع ما قرره ابو حنيفة في العقائد , كما قرروا ان اراء ابي حنيفة في العقائد هي الاصل الذي تفرعت منه اراء الماتريدي ".
وقد خالف الماتريدي اصحاب الحديث جميعا لانه اعتمد على العقل بارشاد الشرع ، كما اوجب النظر العقلي . ولذلك اعتبر هذان المذهبان في العقائد والاصول هما " مذهب اهل السنة الكلامي : في مقابل المعتزلة وحشوية الحنابلة . لقد سلكت مدرسة الاشعري والماتريدي – كما يقول المؤرخون من اهل السنة – سبيل التوسط والتوفيق بين الاشاعرة والمعتزلة ، ينتصرون لاهل الحديث حينا .
عقيده الوهابيه فى الصفات هى من صنف عقائد التجسيم
فهم ينسبون الى اللّه تعالى الاعضاء على الحقيقه: كاليد، والرجل، والعين، والوجه.. ثم يصفونه تعالى شانه بالجلوس والحركه والانتقال والنزول والصعود، على الحقيقه كما يفهم من ظاهر اللفظ.. تعالى اللّه عما يصفون.
وهذه العقيده قلدوا فيها ابن تيميه.. وهى فى الاصل عقيده الحشويه من اصحاب الحديث الذين لا معرفه لهم بالفقه والثابت من اصول الدين، فيجرون وراء ما
1. حديث: كل أمر ذي بال لايبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع . وفي رواية: بحمد الله ، وفي رواية: بالحمد ، وفي رواية: فهو أجذم ، 25. وقال: رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن النبي(ص) مرسلاً . يشير إلى أن الصحيح فيه مرسل . وهو الذي جزم به الدارقطني كما نقله السبكى ، وهو الصواب ، لأن هؤلاء الذين أرسلوه أكثر وأوثق من قرة ، وهو ابن عبد الرحمن المعافري المصري ، بل إن هذا فيه ضعف من قبل حفظه ، ولذلك لم يحتج به مسلم ، وإنما أخرج له في الشواهد . وقال ابن معين: ضعيف الحديث . وقال أبو زرعة: الأحاديث التي يرويها مناكير . وقال أبو حاتم ، والنسائي: ليس بقوي ........وقد رواه أحد الضعفاء الآخرين عن الزهري بسند آخر ، أخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن يزيد ، حدثنا صدقة بن عبد الله ، عن محمد بن الوليد الزبيدي ، عن الزهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه مرفوعاً .قلت: وهذا سند ضعيف ، صدقة هذا ضعيف ، كما قال الحافظ في التقريب ، وقد خالف قرة إسناده كما ترى ، فلا يصح أن تجعل هذه المخالفة سنداً في تقوية الحديث ......
وجملة القول أن الحديث ضعيف لاضطراب الرواة فيه على الزهري ، وكل من رواه عنه موصولاً ضعيف ، أو السند إليه ضعيف...الخ). انتهى
ومادام هذا الحديث ضعيفاً عندهم ، وحديث ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، أقطع ) صحيحاً أو حسناً.. فخطبهم تكون بتراء ! .
من بدع الوهابية التي يحكمون غيرهم بها ولايطبقونها على انفسهم .
اليس هم اولى بتطبيق فتاواهم التكفيرية على أنفسهم ! قبل تكفير وتضليل أي مسلم سواهم. ومن بدعهم وخرافاتهم اعتراف ابن تيمية بوجود كثير من الغلوّ والشرك والبدع عند) المنتسبين )لأهل السنة حسب لفظه ، وهذا مؤيد لما سنذكره من ظهور البدع في جنازته مباشرةً .
قال ابن تيمية 20 : فإن قيل : ما وصفت به الرافضة من الغلوّ والشرك والبدع موجود كثير منه في كثير من المنتسبين إلى السنّة ، فإن في كثير منهم غلواً في مشايخهم وإشراكاً بهم وابتداعاً لعبادات غير مشروعة ، وكثير منهم يقصد قبر من يحسن الظنّ به إمّا ليسأله حاجاته ، وإمّا ليسأل الله به حاجةً ، وإمّا لظنّه أن الدعاء عند قبره أجوب منه في المساجد ، ومنهم من يفضّل زيارة قبور شيوخهم على الحج ، ومنهم من يجد عند قبر من يعظّمه من الرقة والخشوع ما لا يجده في المساجد والبيوت ، وغير ذلك مما يوجد في الشيعة . ويروون أحاديث مكذوبة من جنس أكاذيب الرافضة ...
قيل : هذا كلّه ممّا نهى الله عنه ورسوله ، وكلّ ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه !! .
وعلى هذا فإن ما يكفر به الشيعة وغيرهم هو موجود بنفس نوعيته في بيئة ابن تيمية ، وحينما تعلّق الأمر بالسنة المحيطين به خفف حكمه إلى « مذموم منهي عنه » فقط ، ولعله فعل ذلك تقيـة !! .
والعجب أنه تعرّض أيضاً لزيارة قبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم )وموهناً للمسلمين عن زيارة قبره الشريف ، فقال في كتابه منهاج السنة ج2 ص 441 : والأحاديث المأثورة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في زيارة قبره ، كلّها ضعيفة بل موضوعة.
وهذا يقتضي أن أولئك السلفيةالوهابية الذين زاروا قبر ابن تيمية وترددوا عليه أياماً متعددة ليلاً ونهاراً وصلوا عليه لا بد أنهم يعتقدون بأفضليته على رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) ، إذ زيارة قبر الرسول لا تجوز لديهم إلا بعنوان زيارة المسجد في الوقت الذي يأنسون بزيارة قبر شيخهم .
ولنوثق مدى بدعة الوهابية الذين شهدوا الجنازة من علماء وعوام ، ونساء ورجال ، وأطفال وكبار ، ومن تبعهم من بإحسان وأقر صنيعهم بعد الإمعان ، ولم يبس بكلمة من اللسان ، في إدانة من يجب أن يدان !!
واليكم التوثيق من خلال خمس شخصيات هامة لها وقع جيد عند السلفية ، وهم الإمام ابن كثير ، وابن العماد الحنبلي ، وابن الوردي ، والإمام الذهبي ، والحافظ عمر البزار فهم من المتعاطفين مع شيخ الإسلام المبتدع الهمام ابن تيمية :
أولاً : الإمام ابن كثير ، في كاتبه « البداية والنهاية » ، الجزء الرابع عشر ، ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، وفاة شيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (( مختصراً ))
وجلس جماعة عنده قبل الغسل وقرؤا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله !! ..
ثم انصرفوا ثم حضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك !! ..
ثم انصرفن واقتصروا على من يغسله فلما فرغ من غسله اخرج ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع وامتلأ الجامع أيضا ! وصحنه والكلاسة وباب البريد وباب الساعات إلى باب اللبادين والغوارة وحضرت الجنازة في الساعة الرابعة من النهار أو نحو ذلك ووضعت في الجامع والجند قد احتاطوا بها يحفظونها من الناس من شدة الزحام ..
وصلى عليه أولا بالقلعة تقدم في الصلاة عليه أولا الشيخ محمد بن تمام ثم صلى عليه بالجامع الأموي عقيب صلاة الظهر !! ..
وقد تضاعف اجتماع الناس على ما تقدم ذكره ثم تزايد الجمع إلى أن ضاقت الرحاب والأزقة والأسواق بأهلها ومن فيها ثم حمل بعد أن صلى عليه على الرؤوس والأصابع وخرج النعش به من باب البريد ..
واشتد الزحام وعلت الأصوات بالبكاء والنحيب !! ..
وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائهم وثيابهم وذهبت النعال من أرجل الناس وقباقيبهم !! ..
وعظم الأمر بسوق الخيل وتضاعف الخلق وكثر الناس ووضعت الجنازة هناك وتقدم للصلاة عليه هناك أخوه زين الدين عبد الرحمن !! ..
فلما قضيت الصلاة حمل إلى مقبرة الصوفية !! فدفن إلى جانب أخيه ..
وأغلق الناس حوانيتهم ولم يتخلف عن الحضور إلا من هو عاجز عن الحضور !! ..
وحضر نساء كثيرات بحيث حزرن بخمسة عشر ألف امرأة !! ..
غير اللاتي كن على الأسطحة وغيرهن الجميع يترحمن ويبكين !! عليه فيما قيل ..
وأما الرجال فحزروا بستين ألفاً إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مائتي ألف
وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله !! ..
واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به !! ..
ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهما !! ..
وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما !! ..
وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير !!
وتردد الناس إلى قبره أياما كثيرة ليلاً ونهاراً يبيتون عنده ويصبحون !!..
ورثاه جماعة بقصائد جمة ... فاجتمع عند الشيخ في قاعته خلق من أخصاء أصحابه من الدولة وغيرهم من أهل البلد والصالحية فجلسوا عنده يبكون ويثنون (( على مثل ليلى يقتل المرء نفسه((!! .
وكنت فيمن حضر هناك مع شيخنا الحافظ ابي الحجاج المزي رحمه الله وكشفت عن وجه الشيخ ونظرت إليه وقبلته وعلى رأسه !! ..
ثم شرعوا في غسل الشيخ وخرجت إلى مسجد هناك ولم يدعوا عنده إلا من ساعد في غسله منهم شخينا الحافظ المزي وجماعة من كبار الصالحين الأخيار أهل العلم والإيمان !! ..
فما فرغ منه حتى امتلأت القلعة وضج الناس بالبكاء !! ..
فصرخ صارخ وصاح صائح هكذا تكون جنائز أئمة السنة !!! ..
فتباكى الناس وضجوا عند سماع هذا الصارخ ..
والنساء فوق الأسطحة من هناك إلى المقبرة يبكين ويدعين ويقلن هذا العالم !! ..
وما علمت أحدا من أهل العلم إلا النفر اليسير تخلف عن الحضور في جنازته !! وهم ثلاثة أنفس وهم ابن جملة والصدر والقفجاري ، وهؤلاء كانوا قد اشتهروا بمعاداته فاختفوا من الناس خوفاً على أنفسهم !! ..
بحيث إنهم علموا متى خرجوا قتلوا وأهلكهم الناس !! ..
وتردد شيخنا الإمام العلامة برهان الدين الفزاري إلى قبره في الأيام الثلاثة !! .. وكذلك جماعة من علماء الشافعية ... »
ثانياً : ويمكن أيضاً مراجعة كتاب « شذرات الذهب في أخبار من ذهب » لابن العماد الحنبلي ، ج 6 ص 80 ، أحداث سنة ثمان وعشرين وسبعمائة .. ففيه مختصر لما ورد في البداية والنهاية ..
ثالثاً : ويذكر القنوجي بعض ما حصل حول الجنازة في كتابه 30، الحنبلي :« قال ابن الوردي : وفيها ، أي : سنة 723، ليلة الإثنين والعشرين من ذي القعد ، توفي شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه - معتقلا بقلعة دمشق ، وغسل ، وكفن ، وأُخرج ..
وصلى عليه أولاً : بالقلعة الشيخ محمد بن تمام ، ثم : بجامع دمق !! بعد الظهر، من باب الفرج واشتد الزحام في سوق الخيل ، وتقدم عليه (3/ 135) في الصلاة هناك أخوه ..
وألقى الناس عليه مناديلهم وعمائمهم للتبرك !! ..
وتراصّ الناس تحت نعشه، وحضرت النساء خمسة عشر ألفا !! ..
وأما الرجال فقيل : كانوا مائتي ألف ، وكثر البكاء عليه !! ..
وختمت له ختم عديدة ، وتردد الناس إلى زيارة قبره أياما !! » ..
رابعاً : الإمام الذهبي : فلقد كشف لنا جانب آخر من البدع السلفية من حيث تعظيمهم للقبور وتصنيف أهميتها ، فانظروا إلى قوله بترجمة معروف الكرخي في كتابه:
وعن إبراهيم الحربي قال : قبر معروف الترياق المجرّب . يريد إجابة دعاء المضطرّ عنده ، لان البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء ... .
وقوله بترجمة غير واحد مثلاً ج 18 ص 101 : « كان يتبرّك بقبره » ، وكذلك ج 19 ص 53 : « قبره مشهور يزار ويدعى عنده » ، وج 20 ص 96 : قبره يقصد للزيارة..
ويكفينا هنا قول الذهبي وقد ملّ أسلوب أستاذه ف