مؤسسة النبأ العظيم الثقافية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مؤسسة النبأ العظيم الثقافية

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْـتُضْـعِـفُـوا فِـي الْأَرْضِ وَنَجـْعَـلَـهُـمْ أَئِـمَّـةً وَنَجْعَلَهُمُ الْـوَارِثِـينَ ونُـمَـكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ


    من وسائل التملّك في الإسلام رؤية قرآنية حديثية

    admin
    admin
    Admin


    المساهمات : 202
    تاريخ التسجيل : 19/01/2011

    من وسائل التملّك في الإسلام رؤية قرآنية حديثية  Empty من وسائل التملّك في الإسلام رؤية قرآنية حديثية

    مُساهمة  admin الخميس 31 مارس 2011 - 0:07

    من وسائل التملّك في الإسلام رؤية قرآنية حديثية

    مقدمة :
    الحديث عن التملّك، وصوره، ووسائل حصوله المشروعة وغير المشروعة، كانت من بين الموضوعات كثيرة التناول في الفكر الإنساني منذ أزمان سحيقة، ولا نجانب الصواب إن قلنا إنها تعود إلى المراحل الأولى لتشكّل المجتمع الإنساني، وإحساس أفراده بضرورة التكاتف والتكافل من أجل خلق بيئات سكنية ذات طبيعة جماعية لا فردية.
    فالإحساس بالعيش الجماعي من الأحاسيس المهمة التي دعت الإنسان يستشعر ضرورة تأسيس المدنية والبحث عن سبل تأسيسها.
    عند ذاك... نشأ شعور أولي بإشكالية طفت على سطح العلاقات الجديدة بين أبناء المجتمع الإنساني الأول، ألا وهي مشكلة توزيع الثروات، وكيفية تملّكها؟ وما وسائل الاعتراف بذلك التملّك، بحيث لا يتعرض المالك لها إلى منافسة جديدة لفرد يستشعر بحقه لتملّك ذلك الشيء الذي وضع الأول يده عليه؟.
    فكان التنافس على الملكية من أولى المشاكل الاجتماعية ذات الطابع الاقتصادي، وبقيت هذه المشكلة مستمرة في المجتمعات البشرية.
    وكانت الشرائع السماوية من بين الأنظمة التي وضعت حلولاً لهذه المشكلة، وبخاصة الشرائع التي اتسمت بسعة وشمولية كالشريعة الموسوية والعيسوية على ذكر أصحابها آلاف التحايا والسلام.
    لكن الطابع الوضعي الذي كان ينبع في المجتمعات البشرية كان يضعه كثير من أفراد المجتمعات ممن لا يؤمن بالشرائع السماوية منافساً للنظرية العامة التي تضعها تلك الشرائع.
    وبتطور المجتمعات مدنياً، ورقيها المعرفي والثقافي، تنوعت العلوم التي وضعها البشر لتعرف الحياة أكثر، ومحاولة تنظيمها بشكل يوصلهم للرفاه والدعة المطلقة.
    وكان علم الاجتماع هو الحقل العلمي الذي عني بهذه المشكلة من منظورها الاجتماعي تاركاً تفصيلات الجانب الاقتصادي لعلم الاقتصاد ـ وإن عرض بعض جوانبه ـ.
    فعلم الاجتماع هو العلم الذي يعنى بدراسة الحياة المشتركة بين الناس :أي يعنى بدراسة الاجتماع البشري مقابل الانفراد بمعنى أنه يتناول حياة الجماعة لا الأفراد بما هم أفراد ينعزل بعضهم عن الآخر بل بما هم يجسدون أفعالاً اجتماعية من خلال علاقات خاصة مباشرة كالاجتماع العائلي أو غير مباشرة كالدولة ومواطنيها...
    ويدرس علماء الاجتماع عنصر الأفعال أي العلاقات والظواهر بدءاً من إنشاء الاجتماع البشري مروراً المختلفة وانتهاءً بنظمه التي يصطبغ بها في حياته المعاصرة.
    إنهم يتوفّرون على دراسة الاجتماع البشري من حيث النظر إلى كيفية قيامه أي المجتمع العام ودراسة المبادئ التي تجعله ممكناً من حيث استمراريته في الزمن منذ بدء الخليقة وحتى الآن.
    وفي هذا السياق يقدم علماء الاجتماع وجهات النظر المتفاوتة بطبيعة الحال.
    كذلك يدرسون مختلف العوامل والمؤثرات الوراثية والبيئية التي أسهمت في صياغة الاجتماع البشري
    وذلك من حيث النظر إلى كل من هذين العنصرين وانسحابهما على الطابع الاجتماعي كذلك بالنسبة إلى العنصر السلالي حيث أفرد علماء الاجتماع له حقلاً خاصاً لمناقشة ما تفرزه وجهات النظر المتوافقة والمتخالفة بالنسبة إلى أثر هذا العنصر بصفته أحد إفرازات الوراثة، مع ملاحظة إن الاتجاه الثاني لهذا الأثر يظل هو الغالب في الدراسات المعاصرة.
    والأمر نفسه بالنسبة للبيئة حيث يدرس المعنيون بالبحث الاجتماعي أثر هذا العنصر وانعكاسات ذلك على الصياغة الاجتماعية في مختلف أبعادها جغرافياً ـ على سبيل المثال مثل أثر المناخ والمياه والأرض و... الخ ـ وتقنياً " كنمط الحضارة " ومعرفياً... الخ.
    ويتجه الباحث الاجتماعي إلى دراسة التراث الاجتماعي أو التراث الثقافي بصفة أو مصطلح الثقافة ويشمل البُعدين المعرفي والتقني فيدرس التقاليد والعادات والأعراف... الخ، وبالإضافة إلى التراث التقني ـ كما قلنا ـ من حيث تشكلها جميعاً وعاءً ينصهر فيه الاجتماع البشري.
    وإذا تجاوزنا ظاهرة الإنشاء وظاهرة الوراثة وظاهرة البيئة واتجهنا إلى ظاهرة الأبنية الاجتماعية أو التركيبات الاجتماعية نواجه دراسات متنوعة تتحدث عن اجتماع المعشر والعشيرة والقبيلة.
    حيث واكبت هذه الجماعات نشأة الاجتماعات الإنسانية. كما نواجه دراسات تتحدث عن القرية والمدينة والمنظمات الإقليمية والدولية، حيث واكبت تطور المجتمعات منتهية الحياة المعاصرة( ).
    فكل هذه التفصيلات كانت من بين الموضوعات التي احتواها هذا العلم المتخصص لدراسة المشكلة العامة والخاصة لعلاقة الفرد بالمجموع، وعلاقة المجموع بالفرد.

    علم اجتماع إسلامي:
    حاولت النظريات الاجتماعية المختلفة النظر إلى موضوع التملّك بنظرياته الكبرى وغيرها، ولاسيما في المذاهب الكبيرة التي أسست لنظام اجتماعي واقتصادي وأنظمة أخرى تتحكم بتنظيم الحياة كالمذهب الاشتراكي والمذهب الرأسمالي.
    فظلّ علم الاجتماع مثل سائر ضروب المعرفة الإنسانية خاضعاً لتيارات متنوعة بحسب الأيديولوجيات التي يصدر عنها علماء الاجتماع حيث نجد هذا التنوع منذ نشأة العلم المذكور في القرن الماضي فيما يتجاذبه تياران، إحداهما تيار محافظ ينسب إلى الرأسمالي، والآخر تيار ماركسي، وقد امتد هذان التياران إلى سنواتنا المعاصرة أيضاً: مع ملاحظة التطورات التي طالت الاتجاهين المذكورين بطبيعة الحال.
    المهم أن الملاحظة أيضاً إن السنوات المعاصرة وهي سنوات مع بعد الحرب العالمية الثانية فصاعداً، وبخاصة في السبعينات من القرن، شهدت تبايناً وانشطارات جديدة في ميدان علم الاجتماع بحيث تعرض الاتجاهان التقليديان " اليمين واليسار " إلى موجات نقدية فرضت فاعليتها على صعيد علم الاجتماع المعاصر، وبدأت تيارات جديدة تبرز داخل كل من ذينك الاتجاهين، فبدأ ما يمكن تسميته ب" اليمين الجديد " تمرده على علم الاجتماع المحافظ، متمثلاً في الاتجاهات " الوجودية " و" الظاهرية " و " العبثية " و " الرمزية " الخ، كما بدأ ما يمكن تسميته ب" اليسار الجديد "، تمرده على علم الاجتماع المحافظ بالنمطية: اليمين واليسار التقليديين، حيث تبلور هذا التمرد بوضوح في أواخر الستينات مع ظهور ما يسمى ب" ثورة الطلاب " التي واكبها علماء الاجتماع اليساريون ليفرزوا اتجاهاً ملحوظاً في ميدان علم الاجتماع المعاصر.
    هذا فضلاً عما نتوقعه من بلورة اتجاهات جديدة شهدها عقد " 1979 ـ 1990 " مع بروز " التغيرات الاجتماعية " التي فرضته " الصحوة الإسلامية " في أوائل العقد، ومع بروز التغير الاجتماعي الذي فرضته " البيروستيراكيا " في آخريات هذا العقد، فيما استتبع التغير الأول " الصحوة الإسلامية " بروز " الإسلام " بصفته موقفاً فلسفياً من الكون والمجتمع والإنسان فارضاً فاعليته على المجتمعات الدولية، وفيما استتبع التغير الآخر " البيروستراكيا " أعادت النظر أساساً في الأسس الماركسية في شتى تغيراتها التي شهدتها في العقود الماضية " " بما في ذلك الماركسية الجديدة أو اليسار الجديد "بعد أن شهد عام " 1990 " اضمحلا المعسكر الاشتراكي في صعيدي : السلطة والجمهور...
    لذلك، نتوقع أن يبرز ـ في السنوات اللاحقة ـ اتجاه جديد في علم الاجتماع وسواه، يشكك بكل التيارات الأرضية، بخاصة أن الحديث عن " أوربا الموحدة " بعد انهيار المعسكر الشرقي ـ سوف لن يرسم حلاً لمشكلة النظام الرأسمالي المستهدف أساساً لدى التيارات النقدية المشار إليها، فيما يعني ذلك أن هذه التيارات النقدية في علم الاجتماع، ستواجه " مشكلات جديدة " عبر مشاهدتها وحدة الأنظمة المنحرفة من جانب، وفقدانها لرؤية " البديل الفكري " لها من جانب آخر... بالمقابل، نتوقع أن تكون " الصحوة الإسلامية " هي التيار الذي يفرض فاعليته أمام الاتجاه الرأسمالي، ويحظى باهتمام المعنيين بالبحث الاجتماعي، وبخاصة أن المجتمعات الأوربية ذات بدأت ـ أفراداً وجماعات ـ فضلاً عن مجتمعات العالم الثالث، بقراءة الصحوة الإسلامية، وبدأت بمحاوراتها بل بدأت بالانتساب فعلاً( ).
    وبهذا الطرح الذي عالجه الدكتور محمود البستاني، كان المسلمون ساعين لسد النقص في " منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي ـ كما يعبّر عنها ـ " لمنافسه المذاهب الوضعية الكبرى لكي لا تكون متسيدة للساحة من دون مناقشة أو وضع بديل، فكانت هناك محاولات كثيرة سعت لتأسيس نظرة إسلامية مستوحاة من النصوص الشرعية، لخلق علم الاجتماع إسلامي يفوق النظريات الاجتماعية التي أسستها الأفكار الوضعية.
    فقد تعددت وتنوعت في الآونة الأخيرة الكتابات التي تتحدث عن الجانب الاجتماعي للنظام الإسلامي، أو التي تحاول أن تبلور معالم النظام الاجتماعي في الإسلامي. وكان من الطبيعي أن يهتم علماء الاجتماع العرب والمسلمين بهذه الحركة، فهي تمسهم بشكل مباشر لأنها تتناول الجوانب الاجتماعية، وهي جزء من حياتهم لأنهم يعيشون في مجتمع مسلم( ).
    فالإسلام يسير في تنظيمه للحياة الاقتصادية على هدي فلسفته العامة وفكرته الشاملة، يلاحظ مصطلح الفرد ويحقق مصطلح الجماعة هادفاً بذلك إلى تحقيق العدالة الاجتماعية التي يجب أن ينعم بها كل مجتمع سليم.
    وهو يتبع في تحقيق هذه السياسة وسيلتيه الأساسيتين: التشريع والتوجيه، فيبلغ بالتشريع الأهداف العملية الكفيلة بتكوين مجتمع صالح قابل للرقي والإنماء. ويرمي بالتوجيه إلى التسامي على الضرورات والتطلع إلى حياة أرفع. والرقي بالحياة إلى عالم المثل الذي لا يملك الجميع أن يرتفعوا إليه في جميع الأحوال. ويدع الباب دائماً مفتوحاً للرقي والكمال( ).

    وسيلة التملك :
    قال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا}( )، هذه الآية المباركة تحدد بشكل قاطع أن المالك الأول والأوحد لكل ما في الأرض والسماء وما بينهما هو الله سبحانه وتعالى.
    وعلى هذا الأساس فالملكية الأوحدية ـ إن جاز لنا التعبير ـ التي تمتاز ببُعد حقيقي هي ملكية الله لكل ما في العالمين.
    ولكن هل يعني هذا: أن الإنسان لا حقّ له في تملّك شيء؟!، هذا الأمر تعرض له كثير من علمائنا وبخاصة العلماء المجددين الذي حاولوا سد النقص في " منطقة الفراغ التشريعي " أمثال السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سرّه، إذ عرضوا لهذه المسألة وحاولا وضع تصوّر نظري يحلّ هذه الإشكالية( ).
    فكانت حصيلة البحث تتحدّد بالرؤية القرآنية التي تنصّ على أن المالكية للإنسان هي مالكية مجازية، لكن لهم التصرّف بها، وسيحاسبون على مقدار تقصيرهم وإساءتهم، فهم خلائف عليها ومؤتمنون، قال تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}( )، وكذلك في قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}( ).
    فالفرد أشبه شيء بالوكيل في هذا المال من الجماعة وإن حيازته له إنما هي وظيفة أكثر منها امتلاكاً وإن المال في عمومه إنما هو حق للجماعة مستخلفة فيه عن الله الذي لا مالك لشيء سواه.
    وينبني التملك على أمر آخر هو عدم تجميع الثروات في أيدي فئة قليلة بحيث يدور المال بينها ولا يجده الآخرون. فالتعاليم الإسلامية لا تدع مكاناً للفقر في الجماعة لأن وجود فرد أو جماعة مفرطة في الغنى يعني عبودية اقتصادية للكثيرين والكسب المفرط الزائد عن حاجة الأفراد مزرعة خصبة ينمو فيها الصدام الطبقي ولن تتحقق أخوة اجتماعية دائمة إذا فصلت بين الطبقات هوة اقتصادية عميقة بحيث يكون هناك طائفة من السادة في ناحية وطائفة من المستعبدين في ناحية أخرى .
    وحرصاً من الإسلام للقضاء على هذه التفرقة التي تفضي إلى تحكم طبقة في أخرى طالب بتعديل الأوضاع التي تقع فيها هذه الظاهرة ليكون هناك نوع من التوازن بين الجماعة لتحقيق العدالة الاجتماعية التي يهدف إليها الإسلام لخير المجموع، قال تعالى : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}( ).
    وكذلك يؤكد الإسلام على عدم تعطيل المال باحتجازه. بل لا بد من إطلاقه للتعامل لينتفع به الصانع والعامل والزارع والتاجر، فإذا كنز استحق غضبه عليه، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}( ).
    لأن في هذا تعطيل الهدف الذي جعل المال من أجله وهو أن يكون وسيلة لعموم الخير بين الجميع. ويتوعد الله من يقدمون على هذا بعذاب أليم وغضب منهم، جزاء إساءتهم للجماعة بمنع الخير عنهم نتيجة لما يتصفون به من جشع وأنانية تتعارض مع الروح التي يريد الإسلام لها أن تسود بين الجماعة( ).
    وعلى الرغم من كل ما مر حدّدت النصوص الشرعية " القرآن والأحاديث " أن التملّك يكون بوسيلتين، هما :
    ـ العمل.
    ـ الميراث.
    فهما الوسيلتان اللتان ينال بهما الإنسان حق التملك في الإسلام وبالنسبة للوسيلة الأولى وهي العمل فسنجد أن الطبيعة التي منحها الله إياها جمة في السخاء في حياة الإنسان والحيوان، وسنقف في هذه الدراسة عند الوسيلة الأولى " العمل " أنموذجاً لبيان نظرة القرآن إلى تلك الوسيلة والمبادئ التي ينبني عليها التعاطي معها.
    وقد اتخذ هذا السخاء شكلاً مختلفاً بالنسبة للإنسان الذي يتميز بالإدراك والقدرة على تدبير أمور نفسه... فلو حصل على حاجته كلها دون جهد لظل ذكاءه طاقة خاملة لا يخرج بها إلى الوجود دربة أو مِران( ).
    ولقد علّم الله الإنسان كيف يسخّر الطبيعة ويستفيد منها ففي الشمس والقمر والبحار والجبال من الكنوز المتنوعة التي تكفل للإنسان حياة طيبة ميسّرة. كما توضحه الآية الكريمة التي قال فيها الله سبحانه وتعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ}( ).
    وإن فرص ابتغاء الرزق ممنوحة لجميع، كما يبيّنه قول الله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}( ).
    وكذلك الرزق مقدّر في الأرض لجميع من يسعى إليه، إذن فالإنسان عليه أن يكدّ ويبذل الجهد ليدفع عنه الحاجة بل وله ما فوق الحاجة ما دامت الوسيلة نظيفة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}( ).
    والإسلام يغري بالعمل ويدعو إليه حسب النصّ القرآني: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}( ).
    ويحض على السعي من أجله كما في قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}( ).
    ويقرّر النصّ القرآني أن من يتوقف عن العمل وهو قادر عليه توقفت عنه سبل الرزق، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}( ).
    وقد سوّى الله سبحانه وتعالى بين العامل المكافح وبين المجاهد في سبيل الله، كما في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}( ).
    وكما يقدّس الإسلام العمل فإنه يقدّس حقّ العامل في الأجر فهو الأول : يدعو إلى الوفاء به وينذر من يجور عليه من أصحاب العمل بحرب من الله وخصومة، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (قال الله عزّ وجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره).
    وثانياً : إلى التعجيل بأدائه فلا يكفي أداؤه كاملاً بل لا بد من أدائه عاجلاً، يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أعطِ الأجير حقّه قبل أن يجفّ عرقه)( ).
    وعندما سمح الإسلام بالعمل في جميع صوره المختلفة كان هذا من أجل تشجيع الابتكار الفردي لما سيعود على الفرد والجماعة من خير من وراء ذلك وإعطاء الفرد الحق في أن يتمتع بنشاطه المالي كما يشاء ما دام غير متجاوز الحدود التي تخلّ بالتوازن الاجتماعي( ).

    الخاتمة :
    تبيّن مما مرّ أن الفكر الإسلامي ليس فكراً يهتم بالجانب الروحي كما يشيّع عليه من قبل الماكنات الإعلامية الغربية وغيرها؛ سعياً لبعده عن ركب الحياة وجعله ـ كما يتمنون ـ متحجراً متصلباً جامداً على أسس عفّاها الزمن، بل هو فكر حيوي وقادر على استيعاب الحياة بجميع أنظمتها المختلفة الدقيقة العميقة والسطحية الظاهرة.
    فهذه الدراسة ـ التي ستتلوها دراسات اجتماعية أخرى إن شاء الله تعالى ـ واحدة من الإثباتات اليسيرة التي تعمل على تأسيس روح التدبّر في التشريع الإسلامي وفكره، ليتم النظر إليه على أنه فكر جاء لإسعاد البشرية وتنظيم أمورها.
    قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ}( ). فالرسالة المحمدية على ذكر صاحبها آلاف التحايا والصلاة عليه وعلى آله الطبيين الطاهرين، ليست محدودة في مجتمع، ولا بجانب حياتي دون آخر.
    لذلك علينا أن نعمل على كشف تلك القواعد العامة التي تنظّم الحياة بكل ما أوتينا من قوة.
    والحمد لله رب العالمين.


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 27 أبريل 2024 - 0:40